فصل: 1884- باب ومن سورة الشمس وضحاها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


1874- باب ومن سورة الجن

مكية وهي ثمان وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3447- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدِ حَدثني أبُو الْوَلِيدِ، حدثنا أبُو عَوَانَةَ عَن أبي بِشْرٍ عَن سَعِيدٍ بنِ جُبَيْرٍ عَن ابنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما قالَ‏:‏ ‏"‏مَا قَرَأ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى الْجِنّ وَلاَ رَآهُمْ، انْطَلَقَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في طائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلى سُوقِ عُكَاظٍ وقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشّيَاطِينِ وبَيْنَ خَبَرِ السّموات وأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمِ الشّهُبُ فَرَجَعَتْ الشّيَاطِينُ إِلى قَوْمِهِمْ، فقَالُوا مالَكُمْ‏؟‏ قالُوا حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السّمَاءِ وأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشّهُبُ، فقالُوا ما حَالَ بَيْنَنَا وبَيْنَ خَبَرِ السّمَاءِ إلاّ مِنْ حَدَثٍ فاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ ومَغَارِبهَا فانْظُرُوا ما هَذَا الّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وبَيْن خَبَرِ السّمَاءِ، قالَ‏:‏ فانْطَلَقُوا يَضْرِبُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبهَا يَبْتَغُونَ ما هَذَا الّذِي حَالَ بَيْنَهُمْ وبَيْنَ خَبَرِ السّمَاءِ، فانْصَرَفَ أُولَئِكَ النّفَرُ الّذِينَ تَوَجّهُوا إلى نَحْو تِهَامَةَ إِلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وهُوَ بِنَخْلَةَ عَامِداً إلى سُوقِ عُكَاظٍ وَهُوَ يُصَلّي بِأَصْحَابِهِ صَلاَةَ الفَجْرِ فَلَمّا سَمِعُوا القُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ فقالُوا هذَا والله الّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وبَيْنَ خَبَرِ السّمَاءِ، قالَ‏:‏ فَهُنَالِكَ رَجَعُوا إلى قَوْمِهِمْ فقالُوا يَا قَوْمَنَا ‏{‏إِنّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلى الرّشْدِ فَآمَنّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبّنَا أحَداً‏}‏ فأنْزَلَ الله تَبَارَكَ وَتعالى عَلَى نَبِيّهِ صلى الله عليه وسلم ‏{‏قُلْ أُوحِيَ إليّ أَنّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنّ‏}‏ وإِنّمَا أُوحِيَ إلَيْهِ قَوْلُ الجِنّ‏"‏ قال‏:‏ وبِهَذَا الإسْنَادِ عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ‏:‏ قَوْلُ الْجِنّ لِقَوْمِهِمْ ‏{‏لَمّا قامَ عَبْدُ الله يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً‏}‏ قالَ‏:‏ لمَا رَأَوْهُ يُصَلّي وأَصْحَابُهُ يُصَلّونَ بِصَلاَتِهِ ويَسْجُدُونَ بِسُجُودِهِ قالَ‏:‏ فَعَجبُوا مِنْ طَوَاعِيَةِ أَصْحَابِهِ لَهُ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ ‏{‏لَمّا قامَ عَبْدُ الله يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً‏}‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3448- حدثنا مُحمّدُ بنُ يَحْيَى، أخبرنا مُحمّدُ بنُ يُوسُفَ، أخبرنا إسْرَائِيلُ، أخبرنا أَبُو إسْحَاقَ عَن سَعيدِ بنِ جُبَيْرٍ عَن ابنِ عَبّاسٍ قالَ‏:‏ ‏"‏كانَ الجِنّ يَصْعَدُونَ إلى السّمَاءِ يَسْتَمِعُونَ الوَحْي فإِذَا سَمِعُوا الكَلِمَةَ زَادُوا فِيهَا تِسْعاً‏.‏ فأمّا الكَلِمَةُ فَتَكُونُ حَقّا وَأَمّا ما زَادُ فَيَكُونُ بَاطِلاً‏.‏ فَلَمّا بُعِثَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مُنِعُوا مَقَاعِدَهُمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لإبْلِيسَ وَلَمْ تَكُنِ النّجُومُ يُرْمَى بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ، فقالَ لَهُمْ إِبْلِيِسُ ما هَذَا إِلاّ مِنْ أَمْرٍ قَدْ حَدَثَ في الأرْضِ، فَبَعَثَ جُنُودَهُ فَوَجَدُوا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قائِماً يُصَلّي بَيْنَ جَبَلَيْنِ أُرَاهُ قالَ بِمَكّةَ فَأتوهُ فأخْبَرُوهُ فقالَ هَذَا الْحَدَثُ الذِي حَدَثَ في الأَرْضِ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثني أبو الوليد‏)‏ هو الطيالسي ‏(‏حدثنا أبو عوانة‏)‏ الوضاح ابن عبد الله اليشكري ‏(‏عن أبي بشر‏)‏ بكسر الموحدة وسكون المعجمة إسمه جعفر بن أبي وحشية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم‏)‏ أخرج البخاري في صحيحه حديث ابن عباس هذا لكن لم يذكر فيه هذه اللفظة‏.‏ قال الحافظ كأن البخاري حذف هذه اللفظة عمداً لأن ابن مسعود أثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على الجن فكان ذلك مقدماً على نفي ابن عباس وقد أشار إلى ذلك مسلم فأخرج عقب حديث ابن عباس هذا حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏أتاني داعي الجن فانطلقت معه فقرأت عليهم القرآن‏"‏، ويمكن الجمع بالتعدد انتهى‏.‏ وقال النووي‏:‏ قال العلماء هما قضيتان، فحديث ابن عباس في أول الأمر وأول النبوة حين أتوا فسمعوا قراءة ‏{‏قل أوحي‏}‏، واختلف المفسرون هل علم النبي صلى الله عليه وسلم استماعهم حال استماعهم بوحي إليه أم لم يعلم بهم إلا بعد ذلك، وأما حديث ابن مسعود فقضيته أخرى جرت بعد ذلك بزمان الله أعلم بقدره وكان بعد اشتهار الإسلام ‏(‏عامدين‏)‏ أي قاصدين ‏(‏إلى سوق عكاظ‏)‏ بضم المهملة وتخفيف الكاف وآخره ظاء معجمة بالصرف وعدمه موسم معروف للعرب من أعظم مواسمهم وهو نخل في وديان مكة والطائف يقيمون به شوال كله يتبايعون ويتفاخرون، وكان ذلك لما خرج عليه الصلاة والسلام إلى الطائف ورجع منها سنة عشر من المبعث لكن استشكل قوله في طائفة من أصحابه لأنه لما خرج إلى الطائف لم يكن معه من أصحابه إلا زيد بن حارثة، وأجيب بالتعدد أو أنه لما رجع لافاه بعض أصحابه في أثناء الطريق فرافقوه ‏(‏وقد حيل‏)‏ بكسر الحاء المهملة وسكون التحانية بعدها لام أي حجز ومنع على البناء للمجهول ‏(‏وأرسلت علينا الشهب‏)‏ بضمتين جمع شهاب‏.‏ قال الحافظ ظاهر هذا أن الحيلولة وإرسال الشهب وقعا في الزمان المقدم ذكره، والذي تضافرت به الأخبار أن ذلك وقع لهم من أول البعثة النبوية وهذا مما يؤيد تغاير زمن القصتين وأن مجيء الجن لاستماع القرآن كان قبل خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف بسنتين ولا يعكر على ذلك إلا قوله في هذا الخبر أنهم رأوه يصلي بأصحابه صلاة الفجر لأنه يحتمل أن يكون ذلك قبل فرض الصلوات ليلة الإسراء فإنه صلى الله عليه وسلم كان قبل الإسراء يصلي قطعاً وكذلك أصحابه ولكن اختلف هل افترض قبل الخمس شيء من الصلاة أم لا‏؟‏ فيصبح على هذا قول من قال‏:‏ إن الفرض أولاً كان صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها والحجة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فسبح بحمد ربك قيل طلوع الشمس وقبل غروبها‏}‏ ونحوها من الاَيات فيكون إطلاق صلاة الفجر في حديث الباب باعتبار الزمان لا لكونها إحدى الخمس المفترضة ليلة الإسراء فتكون قصة الجن متقدمة من أول المبعث انتهى ‏(‏فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها‏)‏ بالنصب على الظرفية أي سيروا في الأرض كلها ‏(‏نحو تهامة‏)‏ بكسر المثناة إسم لكل غير عال من بلاد الحجاز سميت بذلك لشدة حرها اشتقاقاً من التهم بفتحتين وهو شدة الحر وسكون الريح، وقيل من تهم الشيء إذا تغين قيل لها ذلك لتغير هوائها قال البكري حدها من جهة الشرق ذات عرق‏.‏

ومن قبل الحجاز السرج بفتح المهملة وسكون الراء بعدها جيم قرية من عمل الفرع بينها وبين المدينة اثنان وسبعون ميلاً ‏(‏وهو بنخلة‏)‏ بفتح النون وسكون المعجمة موضع بين مكة والطائف قال الكبرى على ليلة من مكة وهو غير منصرف للعلمية والتأنيث ‏(‏استمعوا له‏)‏ أي أصغوا إليه ‏(‏هذا والله الذي‏)‏ أي الحدث الذي ‏(‏فهنالك‏)‏ ظرف مكان والعمل فيه رجعوا مقداراً يفسره المذكور ‏{‏إنا سمعنا قرآن عجباً‏}‏ أي يتعجب منه في فصاحة لفظه وكثرة معانية قائمة فيه دلائل الإعجاز، وعجباً مصدر ووصف به للمبالغة أو على حذف المضاف أي ذا عجب ‏{‏يهدي إلى الرشد‏}‏ أي يدعو إلى الصواب وقيل يهدي إلى التوحيد والإيمان ‏{‏فآمنا به‏}‏ أي بالقرآن، قال الماوردي‏:‏ ظاهر هذا أنهم آمنوا عند سماع القرآن قال والإيمان يقع بأحد أمرين إما بأن يعلم حقيقة الإعجاز وشروط المعجزة فيقع له العلم بصدق الرسول أو يكون عنده علم من الكتب الأولى فيها دلائل على أنه النبي المبشر به وكلا الأمرين في الجن محتمل ‏{‏ولن نشرك‏}‏ أي بعد اليوم ‏{‏قل‏}‏ يامحمد للناس ‏{‏أوحي إلي‏}‏ أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخبر قومه بواقعة الجن ويظهرها لهم ليعرفوا بذلك وأنك مبعوث إلى الجن كالإنس ولتعلم قريش أن الجن مع تمردهم لما سمعوا القرآن وعرفوا إعجازه آمنوا به، والمعنى أخبرت بالوحي من الله ‏{‏أنه‏}‏ الضمير للشأن ‏{‏استمع‏}‏ أي لقراءئي ‏(‏وإنما أوحي إليه قول الجن‏)‏ أي لقولهم إنا سمعنا الخ وهذا كلام ابن عباس كأنه تقرر فيه ما ذهب إليه أولاً أنه صلى الله عليه وسلم لم يجتمع بهم وإنما أوحى الله إليه بأنهم استمعوا، ومثله قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا‏}‏ الاَية، ولكن لا يلزم من عدم ذكر اجتماعه بهم حين استمعوا أن لا يكون اجتمع بهم بعد ذلك، وحديث ابن عباس هذا أخرجه الشيخان والنسائي أيضاً ‏{‏لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا‏}‏ بكسر اللام وفتح الباء جمع لبدة بكسر ثم سكون نحو قربة وقرب واللبدة واللبد الشيء الملبد أي المتراكم بعضه على بعض وبه سمي اللبد الذي يفرش لتراكم صرفه ‏(‏قال‏)‏ أي ابن عباس ‏(‏لما رأوه يصلي‏)‏ أي بسبب أن رأى الجن النبي صلى الله عليه وسلم حال كونه يصلي ‏(‏تعجبوا من طواعية أصحابه له‏)‏ أي من انقيادهم له، والطواعية الطاعة ‏{‏لما قام عبد الله‏}‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏{‏يدعوه‏}‏ أي يصلي ويتلو القرآن ‏{‏كادوا يكونون‏}‏ أي أصحابه صلى الله عليه وسلم ‏{‏عليه لبدا‏}‏ أي مجتمعين عليه‏.‏ وحديث ابن عباس هذا أخرجه أيضاً عبد بن حميد والحاكم وابن جرير في تفسيره‏.‏ وروي عن ابن عباس قول آخر وهو ما روى العوفي عنه يقول لما سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن كادوا يركبونه من الحرص لما سمعوه يتلو القرآن ودنوا منه فلم يعلم بهم حتى أتاه الرسول يقرئه ‏{‏قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن يستمعون القرآن‏}‏‏.‏ أخرجه ابن جرير وابن مردويه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن يحيى‏)‏ الظاهر أنه الإمام الذهلي ‏(‏أخبرنا محمد بن يوسف‏)‏ الضبي الفريابي ‏(‏أخبرنا أبو إسحاق‏)‏ السبيعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏زادوا فيها‏)‏ أي في الكلمة المسموعة ‏(‏تسعا‏)‏ أي تسع كلمات، والمراد التكثير لا التحديد، ففي رواية عشرا وفي رواية أضعافاً ‏(‏فأما الكلمة‏)‏ أي المسموعة ‏(‏منعوا‏)‏ بصيغة المجهول والضمير للجن ‏(‏مقاعدهم‏)‏ جمع مقعد إسم مكان أي من الصعود إليها والقعود فيها، وفي رواية أحمد‏:‏ كان أحدهم لا يأتي مقعده إلا يرمي بشهاب يحرق ما أصاب ‏(‏ولم تكن النجوم يرمى بها قبل ذلك‏)‏ أي بهذه الكثرة والشدة‏.‏ قال ابن قتيبة‏:‏ إن الرجم كان قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لم يكن مثل ما كان بعد مبعثه في شدة الحراسة، وكانوا يسترقون في بعض الأحوال، فلما بعث منعوا من ذلك أصلاً‏.‏ فعلى هذا القول يكون حمل الجن على الضرب في الأرض وطلب السبب إنما كان لكثرة الرجم ومنعهم عن الاستراق بالكلية‏.‏ وقيل كانت الشهب قبل مرئية ومعلومة لكن رجم الشياطين وإحراقهم لم يكن إلا بعد نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم ‏(‏فبعث‏)‏ أي إبليس ‏(‏أراه‏)‏ بضم الهمزة أي أظنه، والظاهر أن هذا قول الترمذي والضمير المنصوب راجع إلى محمد بن يحيى، وفي رواية أحمد‏:‏ يصلي بين جبلي نخلة ‏(‏فلقوه‏)‏ أي لقيت جنود إبليس ‏(‏فقال‏)‏ أي إبليس لجنوده ‏(‏هذا الحدث الذي حدث في الأرض‏)‏ أي هذا هو الأمر الذي حال بينكم وبين خبر السماء‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والنسائي‏.‏

1875- باب ومن سورة المدثر

مكية وهي خمس وخمسون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3449- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا عَبْدُ الرّزّاقِ حدثنا معمر عَن الزّهْرِيّ عَن أَبي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بنِ عبدِ الله رضي الله عنهما قال‏:‏ ‏"‏سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُحَدّثُ عَن فَتْرَةِ الوَحْيِ فقالَ في حَدِيثِهِ‏:‏ بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتاً مِنَ السّمَاءِ فَرَفعْتُ رَأْسِي فإذَا المَلَكُ الّذِي جَاءَنِي بِحراءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيّ بَيْنَ السّمَاءِ وَالأَرْضِ فَجَثِثْتُ مِنْهُ رُعْباً فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ زَمّلُونِي زَمّلُونِي فَدَثّرُوني، فأنْزَلَ الله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيّهَا المُدّثّرُ قُمْ فأنْذِرْ‏}‏ إلى قَوْلِهِ ‏{‏وَالرّجْزَ فاهْجُرْ‏}‏ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصّلاةُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ وَقَدْ رَوَاهُ يَحْيَى بنُ أَبي كَثِيرٍ عَن أَبي سَلَمَةَ بنِ عبدِ الرّحْمَن عن جابر أبو سلمة اسمه عبد الله‏.‏

3450- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ حدثنا الحَسَنُ بنُ مُوسَى عَن ابنِ لَهِيعَةَ عَن دَرّاجٍ عَن أَبِي الهَيْثَمِ عَن أَبي سَعِيدٍ عَن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏الصّعُودُ جَبَلٌ مِنْ نَارٍ يَتَصَعّدُ فِيهِ الكافر سَبْعِينَ خَرِيفاً ثُم يهوى بِهِ كَذَلِكَ فيه أَبَداً‏"‏ قال‏:‏ هَذا حديثٌ غَريبٌ إِنّمَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعاً مِنْ حَدِيثِ ابنِ لَهِيعَةَ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا عَن عَطِيّةَ عَن أَبِي سَعِيدٍ قوله‏:‏ مَوْقُوفٌ‏.‏

3451- حدثنا ابنُ أَبي عُمَر، حدثنا سُفْيَانُ عَن مُجَالِدٍ عَن الشّعْبِيّ عَن جَابرِ بن عبد الله قَالَ ‏"‏قَالَ نَاسٌ مِنَ اليَهُودِ لاِنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ هَلْ يَعْلَمُ نَبِيّكُمْ كَمْ عَدَدُ خَزَنَةِ جَهَنّمَ‏؟‏ قَالُوا لا نَدْرِي حَتّى نَسْألَ نَبِيّنَا، فَجَاءَ رَجُلٌ إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا مُحَمّدُ غُلِبَ أصْحَابُكَ اليَوْمَ، قَالَ‏:‏ وَبِمَا غُلِبُوا‏؟‏ قَالَ سَأَلَهُمْ يَهُودُ هَلْ يَعْلَمُ نَبِيّكُمْ كَمْ عَدَدُ خَزَنَةِ جَهَنّمَ، قالَ‏:‏ فَمَا قالُوا‏؟‏ قالَ قالُوا لا نَدْرِي حَتّى نَسْألَ نَبِيّنَا، قالَ‏:‏ أَيُغْلَبُ قَوْمٌ سُئِلُوا عَمّا لا يَعْلَمُونَ فقالُوا‏:‏ لا نَعْلَمُ حَتّى نَسْألَ نَبِيّنَا، لَكِنّهُمْ قَدْ سألُوا نَبِيّهُمْ فقالُوا أَرِنَا الله جَهْرَةً، عَلَيّ بِأعْدَاءِ الله إِنّي سائِلُهُمْ عَن تُرْبَةِ الْجَنّةِ وَهِيَ الدَرْمَكُ، فَلَمّا جاؤُوا قالُوا يَا أَبَا القاسِمِ كَمْ عَدَدُ خَزَنَةِ جَهَنّمَ‏؟‏ قالَ‏:‏ هَكَذَا، وَهكَذَا في مَرّةٍ عَشرَةٌ وَفي مَرّةٍ تِسْعَةُ، قالُوا نَعَمْ، قالَ لَهم النبيّ صلى الله عليه وسلم ما ترْبَةُ الجَنّةِ‏؟‏ قالَ فَسَكَتُوا هُنَيْهَةً ثُمّ قالُوا أخُبْزَةٌ يا أبَا القاسِمِ‏؟‏ فقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ الخُبْزُ مِنَ الدّرْمَكِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ إِنّمَا نَعْرِفُه مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَديثِ مُجَالِدٍ‏.‏

3452- حدثنا الحَسُنُ بنُ الصّبّاحِ البَزّارُ، حدثنا زَيْدُ بنُ حُبَابٍ، أَخبرنا سُهَيْلُ بنُ عَبْدِ الله القُطَعِيّ وهُو أخُو حَزْمٍ بن أَبي حَزْمِ القُطَعِيّ عَن ثَابِتٍ، عَن أنَسٍ بنِ مَالِكٍ عَن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قالَ في هَذِهِ الاَيةِ‏:‏ ‏{‏هُوَ أَهْلُ التّقْوَى وَأَهْلُ المَغْفِرَةِ‏}‏ قالَ‏:‏ قال ‏"‏الله عز وجلّ أَنَا أَهْلُ أَنْ اتّقَى فَمَنِ اتّقَانِي فَلَمْ يَجْعَلْ مَعِيَ إلهاً فأَنَا أَهْلُ أنْ أَغْفِرَ لَهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حسن غَريبٌ وَسُهَيْلٌ لَيْسَ بِالْقَويّ في الحَدِيثِ وقَدْ تَفَرّدَ سُهَيْلٌ بِهَذَا الحَدِيثِ عَن ثَابِتٍ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي سلمة‏)‏ هو ابن عبد الرحمن بن عوف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو بحدث عن فترة الوحي‏)‏ أي في حال التحديث عن احتباس الوحي عن النزول ‏"‏فإذا الملك جاءني بحراء‏"‏ هو جبرئيل حين أتاه بقوله‏:‏ ‏{‏اقرأ بإسم ربك الذي خلق‏}‏ ثم إنه حصل بعد هذا فترة ثم نزل الملك بعد هذا ‏"‏جالس على كرسي‏"‏ خبر عن الملك الذي هو مبتدأ، وقوله الذي جاءني بحراء صفته ‏"‏فجثثت منه‏"‏ بضم الجيم وكسر المثلثة بعدها مثلثة أخرى ساكنة، وفي رواية البخاري فجثثت بضم الجيم وكسر الهمزة بعدها مثلثة ومعناهما فزعت ورعبت‏.‏ قال أهل اللغة‏:‏ جئث الرجل إذا فزع فهو مجثوث قال الخليل والكسائي‏:‏ جثت وجثث فهو مجثوث ومجثوث أي مذعور فزع ‏"‏فقلت زملوني زملوني‏"‏ أي لفوني، يقال زمله في ثوبه إذا لفه فيه، وفي رواية للبخاري‏:‏ ‏"‏دثروني وصبوا على ماءاً بارداً‏"‏‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وكأن الحكمة في الصب بعد التدثر طلب حصول السكون لما وقع في الباطن من الانزعاج أو أن العادة أن الرعدة تعقبها الحمى وقد عرف من الطب النبوي معالجتها بالماء البارد ‏{‏يا أيها المدثر‏}‏ أي النبي وأصله المتدثر إدغمت التاء في الدال أي المتلفف بثيابه عند نزول الوحي عليه وإنما سماه مدثراً لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏دثروني‏"‏ ‏{‏قم فأنذر‏}‏ أي خوف الناس وحذرهم من عذاب ربك إن لم يؤمنوا، والمعنى قم من مضجعك ودثارك، وقيل قم قيام عزم واشتغل بالإنذار الذي تحملته، وبعده ‏{‏وربك فكبر‏}‏ أي عظم ربك عما يقوله عبدة الأوثان ‏{‏وثيابك فطهر‏}‏ أي من النجاسات والمستقذرات وذلك أن المشركين لم يكونوا يحترزون عنها فأمر صلى الله عليه وسلم بصون ثيابه من النجاسات وغيرها خلافاً للمشركين، وذكر في معناه وجود أخرى ‏{‏والرجز فاهجر‏}‏ أي اترك الأوثان ولا تقربها‏.‏ وقال ابن عباس‏:‏ اترك المآثم وقيل الشرك، والمعنى اترك كل ما أوجب لك العذاب من الأعمال والأقوال وعلى كل تقدير فلا يلزم تلبسه بشيء من ذلك كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين‏}‏ ‏"‏قبل أن تفرض الصلاة‏"‏ كأنه أشار بهذا إلى أن تطهير الثياب كان مأموراً به قبل أن تفرض الصلاة‏.‏ قاله الحافظ‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏"‏الصعود جبل من نار الخ‏"‏ سبق هذا الحديث مع شرحه في باب صفة قعر جهنم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن مجالد‏)‏ بن سعيد الهمداني قوله‏:‏ ‏(‏غلب أصحابك‏)‏ بصيغة المجهول أي صاروا مغلوبين ‏"‏وبما غلبوا‏"‏ أي بأي شيء غلبوا ‏"‏قال فما قالوا‏"‏ أي قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ فما قال أصحابي في جوابهم ‏"‏أفغلب الخ‏"‏ الاستفهام للإنكار ‏"‏لكنهم قد سألوا نبيهم‏"‏ أي لم يقتصر اليهود بأمثال من هذا السؤال على أصحابي لكنهم سألوا نبيهم ‏"‏جهرة‏"‏ أي عياناً ‏"‏علي‏"‏ بتشديد الياء ‏"‏بأعداء الله‏"‏ أي إيتني بهم وادعهم ‏"‏وهي الدرمك‏"‏ كجعفر دقيق الحواري والتراب الناعم ‏(‏فلما جاؤا‏)‏ أي اليهود ‏(‏فسكتوا هنيهة‏)‏ بضم هاء وفتح نون وسكون تحتية وفتح هاء أخرى أي زماناً قليلاً ‏(‏خبزة‏)‏ أي هي خبزة وأورد الترمذي هذا الحديث في تفسير قوله تعالى وعليها تسعة عشر قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث إنما نعرفه من هذا الوجه من حديث مجالد‏)‏ وكذلك قال البزار بعد إخراجه ومجالد هذا ليس بالقوي وقد تغير في آخر عمره‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا زيد بن حباب‏)‏ أبو الحسن العكلي‏.‏ قوله‏:‏ ‏{‏هو أهل التقوى‏}‏ أي هو الحقيق بأن يتقيه المتقون بترك معاصيه والعمل بطاعته ‏{‏وأهل المغفرة‏}‏ أي هو الحقيق بأن يغفر للمؤمنين ما فرط منهم من الذنوب والحقيق بأن يقبل توبة التائبين من العصاة فيغفر ذنوبهم ‏(‏فمن اتقاني‏)‏ أي خافني ‏(‏فأنا أهل أن أغفر له‏)‏ أي لمن اتقاني‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة والبزار وأبو يعلي وابن أبي حاتم وابن مردويه وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة وابن عمر وابن عباس مرفوعاً نحوه‏.‏

1876- باب ومن سورة القيامة

مكية وهي أربعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3453- حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ بن عيينة عَن مُوسَى بنِ أَبي عَائِشَةَ عَن سَعيدِ بنُ جُبَيْرٍ عَن ابن عَبّاسٍ قالَ‏:‏ ‏"‏كَان رَسُولُ صلى الله عليه وسلم إذَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ القُرْآنُ يُحَرّكُ بِهِ لِسَانَهُ يُرِيدُ أنْ يَحْفَظَهُ فأَنْزَلَ الله تبَارَكَ وَتَعَالى ‏{‏لا تُحَرّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ‏}‏ قالَ فَكَان يُحَرّكُ بِهِ شَفَتَيْهِ وَحَرّكَ سُفْيَانُ شَفَتَيْهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏ قالَ عَلِيّ بنُ المَدِينيّ قالَ يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ القَطّانُ‏:‏ كانَ سُفْيَانُ الثّوْرِيّ يُحْسِنُ الثّنَاءِ عَلَى مُوسى بنِ أَبي عَائِشَةَ خَيْراً‏.‏

3454- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ قال‏:‏ أخبرني شَبَابَةُ عَن إسْرَائِيلَ عَن ثُوَيْرٍ قالَ‏:‏ سَمِعْتُ ابنَ عُمَرَ يَقُولُ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنّةِ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ إِلى جِنَانِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَخَدَمِهِ وَسُرُرِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ وأَكْرَمهُمْ عَلَى الله عَزّ وَجَلّ مَنْ يَنْظُرُ إلى وَجْهِهِ غُدْوَةً وعَشِيّةً ثُمّ قَرَأَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلى رَبّهَا ناظِرَةٌ‏}‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ غَرِيبٌ وَقَدْ رواه غَيْرُ وَاحِدٍ عَن إِسْرَائِيلَ مِثْلَ هَذَا مَرْفُوعاً، ورَوَى عَبْدُ المَلِكِ بنُ أبجر عَن ثُوَيْر عَن ابنِ عُمَرَ قَوْلَهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ‏.‏ وَرَوى الأَشْجَعِيّ عَن سُفْيَانَ عَن ثُوَيْرٍ عَن مُجَاهِدٍ عَن ابنِ عُمَرَ قَوْلَهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ وَمَا نَعْلَمُ أَحَداً ذَكَرَ فِيهِ عَن مُجَاهِدٍ غَيْرَ الثّوْرِيّ‏.‏ حدثنا بذلك أبو كريب حدثنا عبيد الله الأشجعي عن سفيان ثوير يكنى ابا جهم وأبو فاختة اسمه سعيد بن علاقة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا سفيان‏)‏ هو ابن عيينة ‏(‏عن موسى بن أبي عائشة‏)‏ الهمداني مولاهم أبي الحسن الكوفي ثقة عابد من الخامسة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏يحرك به لسانه‏)‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ وكان بما يحرك به لسانه وشفتيه ‏(‏يريد‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم بهذا التحريك ‏(‏أن يحفظه‏)‏ أي القرآن ‏{‏لا تحرك به بلسانك لتعجل به‏}‏ أي لا تحرك بالقرآن لسانك عند إلقاء الوحي لتأخذه على عجل مخافة أن يتفلت منك، ومثل هذا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه‏}‏ الاَية‏.‏ وبعده ‏{‏إن علينا جمعه‏}‏ أي في صدرك حتى لا يذهب عليك منه شيء ‏{‏وقرآنه‏}‏ أي إثبات قراءته في لسانك وهو تعليل للنهي قال الفراء القراءة القرآن مصدران فإذا قرأناه أي أتممنا قراءته عليك بلسان جبرئيل عليه السلام وبيناه فأتبع قرآنه فاستمع قراءته وكررها حتى يرسخ في ذهنك، والمعنى لا تسكن قراءتك مقارنة لقراءة جبرئيل عليك بل اسكت حتى يتم جبرئيل ما يوحي إليك فإذا فرغ جبريل من القراءة فخذ أنت فيها، وجعل قراءة جبريل قراءته لأنه بأمره نزل الوحي ‏{‏ثم إن علينا بيانه‏}‏ أي تفسير ما فيه من الحلال والحرام وبيان ما أشكل من معانيه ‏(‏قال فكان يحرك به شفتيه وحرك سفيان شفتيه‏)‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ فقال ابن عباس رضي الله عنهما فأنا أحركهما لك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما وقال سعيد‏:‏ أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس رضي الله عنهما يحركهما فحرك شفتيه قال العيني‏:‏ ومثل هذا الحديث يسمى بالمسلسل بتحريك الشفة لكن لم يتصل بسلسلة وقل في المسلسل الصحيح‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏"‏إن أدنى أهل الجنة منزلة الخ‏"‏ مضى هذا الحديث مع شرحه في باب رؤية الرب تبارك وتعالى من أبواب صفة الجنة‏.‏

1877- باب ومن سورة عبس

وتسمى سورة السفرة الأعمى مكية وهي إحدى أو اثنتان وأربعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3455- حدثنا سَعِيدُ بنُ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ الأَمَوِيّ ‏(‏قال‏)‏‏:‏ حدّثنِي أبي قالَ‏:‏ هَذَا ما عَرَضْنَا عَلَى هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عَن أَبِيهِ عَن عائِشَةَ قالَتْ‏:‏ ‏"‏أُنْزِلَ ‏{‏عَبَسَ وَتَوَلّى‏}‏ في ابنِ أُمّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى أَتَى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ يَقُولُ يا رَسُولَ الله أرْشِدْنِي‏.‏ وَعِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ مِنْ عُظَمَاءِ المُشْرِكِينَ فَجَعَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُعْرِضُ عَنْهُ ويُقْبِلُ عَلَى الاَخَرِ وَيَقُولُ‏:‏ أَتَرَى بِمَا أَقُولُ بَأْسَاً‏؟‏ فَيَقُولُ لاَ، فَفِي هَذَا أُنْزِلَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حسن غَريبٌ‏.‏ وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الحَدِيثَ عَن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عَن أَبِيهِ قالَ‏:‏ أُنْزِلَ ‏{‏عَبَسَ وَتَوَلّى‏}‏ في ابنِ أُمّ مَكْتُومٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَن عَائِشَةَ‏.‏

3456- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ الفَضْلِ، أخبرنا ثابِتُ بنُ يَزِيدَ عَن هِلاَلِ بنِ خَبّابٍ عَن عِكْرِمَةَ عَن ابنِ عَبّاسٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً‏.‏ فقاَتْ امْرَأَةٌ‏:‏ أَيُبْصِرُ أَوْ يَرَى بَعْضُنَا عَوْرَةَ بَعْضٍ‏؟‏ قالَ‏:‏ يَا فُلاَنَةُ ‏{‏لِكُلّ امرئ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ‏}‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏ قد رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ ابنِ عَبّاسٍ رواه سعيد بن جبير أيضاً وفيه عن عائشة رضي الله عنها‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏هذا ما عرضنا على هشام بن عروة‏)‏ أي هذا ما قرأناه على هشام بن عروة وهو يسمع قوله‏:‏ ‏{‏عبس‏}‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم كلح وجهه وقطب ‏{‏وتولى‏}‏ أي أعرض ‏(‏في ابن أم مكتوم‏)‏ إسمه عمرو بن زائدة ويقال عمرو بن قيس بن زائدة وقيل إسمه عبد الله والأول أكثر وأشهر، وأم مكتوم أمه ‏(‏أتى‏)‏ أي ابن أم مكتوم ‏(‏أرشدني‏)‏ أي علمني ‏(‏يعرض عنه‏)‏ أي عن ابن أم مكتوم ‏(‏ويقول‏)‏ أي للرجل المشرك ‏"‏أترى بما أقول‏"‏ أي من التوحيد ‏"‏بأساً‏"‏ أي ضرراً وحرجاً ‏(‏فيقول لا‏)‏ وفي رواية الموطأ‏:‏ ويقول ‏"‏يا أبا فلان هل ترى بما أقول بأساً‏"‏‏؟‏ فيقول لا والدماء ما أرى بما تقول بأساً‏.‏ والدماء جمع دمية وهي الصورة يريد بها الأصنام‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه ابن حبان وأبو يعلي وابن جرير ‏(‏وروى بعضهم هذا الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه قال أنزل ‏{‏عبس وتولى‏}‏ الخ‏)‏ رواه مالك في الموطأ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا محمد بن الفضل‏)‏ السدوسي الملقب بعارم ‏(‏أخبرنا ثابت بن يزيد‏)‏ الأحول ‏(‏عن هلال بن خباب‏)‏ العبدي البصري‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏تحشرون حفاة‏"‏ بضم المهملة وتخفيف الفاء جمع حاف أي بلا خف ولا نعل ‏"‏عراة‏"‏ بضم العين جمع عار وهو الذي لا ستر له ‏"‏غرلاً‏"‏ بضم الغين المعجمة وسكون الراء جمع أغرل وهو الأقلف أي غير مختونين ‏(‏أيبصر‏)‏ بضم الياء من الإبصار ‏(‏أو يرى‏)‏ شك من الراوي ‏{‏لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه‏}‏ أي لكل إنسان يوم القيامة حال يشغله عن شأن غيره ويصرفه عنه أي يشتغل كل واحد بنفسه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه النسائي وابن أبي حاتم‏.‏

1878- باب ومن سورة إذا الشمس كورت

وتسمى سورة التكوير مكية وهي تسع وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3457- حدثنا عَبّاسُ بنُ عَبْدِ العَظِيمِ العَنْبَرِيّ، حدثنا عَبْدُ الرّزّاقِ أخبرنا عَبْدُ الله بنُ بُجيرٍ عَن عَبْدِ الرّحْمَن وهُوَ ابنُ يَزِيدَ الصَنْعَانيّ قالَ سَمِعْتُ ابنَ عُمَرَ يَقُولُ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏مَنْ سَرّهُ أَنْ يَنْظُرَ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ كأَنّهُ رَأَيُ عَيْنٍ فَلْيَقْرَأْ‏:‏ ‏{‏إذَا الشّمْسُ كُوّرتْ‏}‏ و ‏{‏إِذَا السّمَاءُ انْفَطَرَتْ‏}‏ و ‏{‏إِذَا السّمَاءُ انْشَقّتْ‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديث حسن غريب‏.‏

وروى هشام بن يوسف وغيره هذا الحديث بهذا الإسناد وقال‏:‏ ‏"‏من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأَنُه رأيُ عينٍ فليقرأ ‏{‏إذَا الشّمْسُ كُوّرتْ‏}‏ولم يذكر و ‏{‏إذا السماء انفطرت‏}‏ و ‏{‏إذا السماء انشقت‏}‏‏"‏‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الرحمن وهو ابن يزيد الصنعاني‏)‏ أبو محمد القاص صدوق من الرابعة‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏من سره‏"‏ أي أعجبه ‏"‏أن ينظر إلى يوم القيامة‏"‏ أي أحواله وأن يطلع في أهواله ‏"‏كأنه رأى عين‏"‏ تقول جعلت الشيء رأى عينك وبمرأى منك أي حذاءك ومقابلك يحيث تراه وهو منصوب على المصدر أي كأنه يراه رأى العين ‏"‏فليقرأ ‏{‏إذا الشمس كورت‏}‏‏"‏ قال الحافظ ابن كثير‏:‏ قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس‏:‏ ‏{‏إذا الشمس كورت‏}‏ يعني أظلمت، وقال العوفي عنه ذهبت، وقال مجاهد اضمحلت وذهبت، وكذا قال الضحاك وقال قتادة ذهب ضوؤها‏.‏ وقال سعيد بن جبير‏:‏ كورت غورت، وقال الربيع بن خيثم‏:‏ كورت يعني رمي بها، وقال أبو صالح‏:‏ كورت ألقيت وعنه أيضاً نكست‏.‏ وقال زيد بن أسلم‏:‏ تقع في الأرض‏.‏ قال ابن جرير‏:‏ والصواب من القول عندنا في ذلك أن التكوير جمع الشيء بعضه على بعض ومنه تكوير العمامة وجمع الثياب بعضها إلى بعض فمعنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏كورت‏}‏ بعضها إلى بعض ثم لفت فرمى بها وإذا فعل بها ذلك ذهب ضوؤها‏.‏ انتهى كلام الحافظ ابن كثير ‏{‏وإذا السماء انفطرت‏}‏ أي انشقت ‏{‏وإذا السماء انشقت‏}‏ أي انصدعت والمراد هذه السور فإنها مشتملة على ذكر أحوال يوم القيامة وأهواله‏.‏ وحديث ابن عمر هذا أخرجه أيضاً أحمد والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه‏.‏

1879- باب ومن سورة ويل للمطففين

مدنية في قول ومكية في قول وقيل فيها ثمان آيات مكية وهي من قوله‏:‏ ‏{‏إن الذين أجرموا‏}‏ إلى آخرها، وقيل فيها آية مكية وهي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين‏}‏ وقيل إنها نزلت بين مكة والمدينة زمن الهجرة وهي ست وثلاثون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3458- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا اللّيْثُ عَن ابنِ عَجْلاَنَ عَن القَعْقَاعِ بنِ حَكِيمٍ عَن أَبي صَالِحٍ عَن أبي هُرَيْرَةَ عَن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏إِنّ العَبْدَ إذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ في قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءٌ فإِذَا هو نَزَعَ واستَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُه وَإنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتّى تَعْلُو قَلْبَهُ وهُوَ الرّانُ الذّي ذَكَرَ الله ‏{‏كَلاّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كانوا يَكْسِبُونَ‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3459- حدثنا يَحْيَى بنُ دُرُسْتَ البَصْرِيّ، حدثنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عَن أَيّوبَ عَن نافِعٍ عَن ابنِ عُمَرَ قالَ حَمّادٌ‏:‏ هُوَ عِنْدَنَا مَرْفُوعٌ ‏{‏يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ العَالَمِينَ‏}‏ قال‏:‏ ‏"‏يَقُومُونَ في الرّشْحِ إلى أَنْصَافِ آذَانِهِمْ‏"‏‏.‏

3460- حدثنا هَنّادٌ حدثنا عِيسَى بنُ يُونُسَ عَن ابنِ عَوْنٍ عَن نَافِعٍ عَن ابنِ عُمَرَ عَن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ العَالَمِينَ‏"‏ قالَ‏:‏ يَقُومُ أَحَدُهُمْ في الرّشْحِ إِلى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَفيهِ عَن أَبي هُرَيْرَةَ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏"‏إن العبد إذا أخطأ خطيئة‏"‏ وفي رواية أحمد‏:‏ إن المؤمن إذا أذنب ذنباً ‏"‏نكتت في قلبه‏"‏ بصيغة المجهول من النكت وهو في الأصل أن تضرب في الأرض بقضيب فيؤثر فيها ‏"‏نكتة سوداء‏"‏ أي جعلت في قلبه نكتة سوداء أي أثر قليل كالنقطة شبه الوسخ في المرآة والسيف ونحوهما‏.‏ وقال القاري أي كقطرة مداد تقطر في القرطاس، ويختلف على حسب المعصية وقدرها، والحمل على الحقيقة أولى من جعله من باب التمثيل والتشبيه حيث قيل شبه القلب بثوب في غاية النقاء والبياض‏.‏ والمعصية بشيء في غاية السواد أصاب ذلك الأبيض فبالضرورة أنه يذهب ذلك الجمال منه وكذلك الإنسان إذا أصاب المعصية صار كأنه حصل ذلك السواد في ذلك البياض ‏"‏فإذا هو‏"‏ أي العبد ‏"‏نزع‏"‏ أي نفسه عن ارتكاب المعاصي ‏"‏واستغفر‏"‏ أي سأل الله المغفرة ‏"‏وتاب‏"‏ أي من الذنب ‏"‏سقل قلبه‏"‏ بالسين المهملة على البناء للمفعول، وفي رواية أحمد صقل بالصاد‏.‏ قال في القاموس‏:‏ السقل الصقل وقال فيه صقله جلاه انتهى‏.‏ والمعنى نظف وصفى مرآة قلبه لأن التوبة بمنزلة المصقلة تمحو وسخ القلب وسواده حقيقياً أو تمثيلياً ‏"‏وإن عاد‏"‏ أي العبد في الذنب والخطيئة ‏"‏زيد فيها‏"‏ أي في النكتة السوداء ‏"‏حتى تعلو‏"‏ أي للنكت ‏"‏قلبه‏"‏ أي تطفئ نور قلبه فتعمي بصيرته ‏"‏وهو‏"‏ الأثر المستقنح المستعلي ‏"‏الران الذي ذكر الله‏"‏ أي في كتابه وأدخل اللام على ران وهو فعل إما لقصد حكاية اللفظ وإجرائه مجرى الإسم وإما لتنزيله منزلة المصدر ‏{‏كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون‏}‏ قال الحافظ ابن كثير‏:‏ أي ليس الأمر كما زعموا ولا كما قالوا إن هذا القرآن أساطير الأولين بل هو كلام الله ووحيه وتنزيله على رسوله صلى الله عليه وسلم وإنما حجب قلوبهم عن الإيمان به ما عليها من الران الذي قد لبس قلوبهم من كثرة الذنوب والخطايا، والرين يعتري قلوب الكافرين والغيم للأبرار والغين للمقربين انتهى‏.‏ قلت‏:‏ أصل الران والرين الغشاوة وهو كالصدإ على الشيء الصقيل‏.‏ قال الطيبي‏:‏ الران والرين سواء كالعاب والعيب، والاَية في الكفار إلا أن المؤمن بارتكاب الذنب يشبههم في اسوداد القلب ويزداد ذلك بإزدياد الذنب‏.‏ قال ابن الملك‏:‏ هذه الاَية مذكورة في حق الكفار لكن ذكرها صلى الله عليه وسلم تخويفاً للمؤمنين كي يحترزوا عن كثرة الذنب كيلا تسود قلوبهم كما اسودت قلوب الكفار ولذا قيل المعاصي بريد الكفر قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أيوب‏)‏ بن أبي تميمة السختياني ‏"‏يقومون في الرشح‏"‏ بفتحتين أي في العرق، وتقدم شيء من الكلام على هذا الحديث في أوائل صفة القيامة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عيسى بن يونس‏)‏ السبيعي الكوفي ‏(‏عن ابن عون‏)‏ هو عبد الله ابن عون بن أرطبان‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏إلى أنصاف أذنيه‏"‏ هو من إضافة الجمع إلى الجمع حقيقة ومعنى لأن لكل واحد أذنين قاله العيني‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفيه عن أبي هريرة‏)‏ أي وفي معنى حديث ابن عمر المذكور حديث أبي هريرة وهو ما أخرجه الشيخان عنه‏.‏ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعاً ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم‏"‏‏.‏

1880- باب ومن سورة ‏{‏إذا السماء انشقت

وتسمى سورة الانشقاق مكية وهي ثلاث أو خمس وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3461- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى عَن عُثْمَانَ بنِ الأسْوَدِ عَن ابنِ أَبي مُلَيْكَةَ عَن عَائِشَةَ قالت سَمِعْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏مَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ هَلَكَ، قُلْتُ يَا رَسُولَ الله إِنّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ‏:‏ ‏{‏فأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بَيَمِينِهِ‏}‏ إِلى قَوْلِهِ ‏{‏يَسِيراً‏}‏ قالَ ذَلِكَ العَرْضُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

حدثنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله بن المبارك عن عثمان بن الأسود بهذا الإسناد نحوه‏.‏

3462- حدثنا مُحمّدُ بنُ أَبَانَ وَغَيْرُ دوَاحِدٍ قالُوا، أخبرنا عَبْدُ الْوَهّابِ الثّقَفِيّ عَن أَيّوبَ عَن أَبي مُلَيْكَةَ عَن عائِشَةَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ‏.‏

3463- حدثنا مُحمّدُ بنُ عُبَيْدٍ الْهَمْدَانِيّ، أخبرنا عَلِيّ بنُ أَبي بَكْرٍ عَن هَمّامٍ عَن قَتَادَةَ عَن أنَسٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ حُوسِبَ عُذّبَ‏"‏ قال‏:‏ وهَذا حديثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَن أَنَسٍ لا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَن أنَسٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم إلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبيد الله بن موسى‏)‏ العبسي الكوفي‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏عن عائشة قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من نوقش الحساب الخ‏"‏ سبق هذا الحديث مع شرحه في باب العرض من أبواب صفة القيامة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن عبيد الهمداني‏)‏ ضبط في النسخة الأحمدية بالقلم بفتح الهاء وسكون الميم وبالدال المهملة، وقال في التقرير، محمد بن عبيد بن عبد الملك الأسدي الهمداني بالتحريك الجلاب بالجيم كوفي الأصل ثقة من العاشرة، ووقع في الخلاصة بالذال المعجمة، وقال في المغنى الهمداني بميم ومعجمة مفتوحتين منه مران بن حمويه ومحمد بن عبيد انتهى‏.‏ وقال الحافظ أبو محمد عبد الغني بن سعيد المصري في كتاب مشتبه النسبة وأما الهمذاني بفتح الميم والذال المعجمة فجماعة منهم أصرم بن حوشب والحارث بن عبد الله الخازن ومحمد بن عبيد الهمداني الذي يروي عن الربيع بن زياد انتهى ‏(‏أخبرنا علي بن أبي بكر‏)‏ بن سليمان الأسفذني بفتح الهمزة وسكون المهملة وفتح الفاء وسكون المعجمة بعدها نون قبل ياء النسبة نسبة إلى قرية بمرو صدوق ربما أخطأ وكان عابداً من التاسعة ‏(‏عن همام‏)‏ بن يحيى الأزدي العوذي‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏من حوسب عذب‏"‏ بالبناء للمفعول أي من حوسب بالمناقشة كما يدل له الحديث المتقدم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وهذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه الضياء ‏(‏لا نعرفه من حديث قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الوجه‏)‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة علي بن أبي بكر أورد له ابن عدي عن همام عن قتادة عن أنس من ‏"‏حوسب عذب‏"‏، وقال هو خطأ والصواب ما رواه عمرو بن عاصم عن همام عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن عائشة ثم قال لا أعرف له خطأ غير هذا الحديث الواحد ويمكن أن يكون من الراوي عنه محمد بن عبيد الهمداني انتهى‏.‏ والحديث المذكور رواه الترمذي عن محمد بن عبيد واستغربه انتهى‏.‏

1881- باب ومن سورة البروج

مكية وهي اثنتان وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3464- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ حدثنا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ وَعُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى عَن مُوسَى بنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَيّوبَ بنِ خَالِدٍ عَن عَبْدِ الله بنِ رَافِعٍ عَن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ ‏"‏قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ اليَوْمُ المَوْعُودُ يَوْمُ القِيَامَةِ، والْيَوْمُ الْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشّاهِدُ يَوْمُ الْجُمعَةِ‏.‏ قالَ‏:‏ وَمَا طَلَعَتِ الشّمْسُ وَلاَ غَرَبَتْ عَلَى يَوْمٍ أَفْضَلَ مِنْهُ، فِيهِ سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يَدْعُو الله بِخَيْرٍ إلاّ اسْتَجَابَ الله لَهُ وَلاَ يَسْتَعِيذُ مِنْ شَيْءٍ إلاّ أَعاذَهُ الله مِنْهُ‏"‏‏.‏

3465- حَدّثَنَا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ أَخبرنا قُرّانُ بنُ تَمّامٍ الأسَدِيّ عَن مُوسَى بنِ عُبَيْدَةَ بِهَذَا الإسْنَادِ نَحْوَهُ‏.‏ و مُوسَى بنُ عُبَيْدَةَ الرّبَذِيّ يُكَنّى أَبَا عَبْدِ العَزِيزِ وَقَدْ تَكَلّمَ فِيط يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ القَطّانُ وَغَيْرُهُ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ مُوسَىَ بنِ عُبَيْدَةَ‏.‏ ومُوسَى بنُ عُبَيْدَةَ يُضَعّفُ في الحَدِيثِ ضَعّفَهُ يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ وغَيْرُهُ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ‏.‏ وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ وسُفْيَانُ الثّوْرِيّ وغَيْرُ واحِدٍ مِنَ الأئِمّةِ عَن موسَى بنِ عُبَيْدَةَ‏.‏

3466- حدثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ و عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ- المَعْنَى وَاحِدٌ- قالاَ‏:‏ أخبرنا عَبْدُ الرّزّاقِ عَن مَعْمَرٍ عَن ثَابِتٍ البُنَانِيّ عَن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ أَبي لَيْلَى عَن صُهَيْبٍ قال‏:‏ ‏"‏كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا صَلّى العَصْرَ هَمَسَ- والْهَمْسُ في قَوْلِ بَعْضِهِمْ تَحَرّكُ شَفَتَيْهِ كأَنّهُ يَتَكَلّمُ- فَقِيلَ لَهُ إنّكَ يا رسولَ الله إذا صَلّيْتَ العَصْرَ هَمَسَتَ‏.‏ قالَ‏:‏ إنّ نَبِيّا مِنَ الأنْبِيَاءِ كانَ أُعْجِبَ بِأُمّتِهِ فقالَ مَنْ يَقُومُ لِهَؤلاَءِ، فأَوحَى الله إِلَيْهِ أَنْ خَيّرْهُمْ بَيْنَ أنْ أنْتَقِمَ مِنْهُمْ وبَيْنَ أنْ أُسَلّطَ عَلَيْهِمُ عَدُوّهُمْ فاخْتَارُ النّقْمَةَ، فَسَلّطَ عَلَيْهِمْ المَوْتَ فَمَاتَ مِنْهُمْ في يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفاً قالَ‏:‏ وكان إذَا حَدّثَ بِهذَا الحَدِيثِ حَدّثَ بِهَذَا الحَدِيثِ الاَخَرِ قالَ‏:‏ كانَ مَلِكٌ مِنَ المُلُوكِ وَكَانَ لِذَلِكَ المَلِكِ كَاهِنٌ يَكْهَنُ لَهُ فقال الكاِهنُ‏:‏ انْظُرُوا لِي غُلاَماً فَهما أَوْ قالَ فَطِناً لَقِناً فأُعَلّمَهُ عِلْمِي هَذَا فإِنّي أَخَافُ أَنْ أَمُوتَ فَيَنْقَطِعَ مِنْكُمْ هَذَا العِلْمُ وَلاَ يَكُونَ فيكم مَنْ يَعْلَمُهُ‏.‏ قالَ‏:‏ فَنَظَرُوا لَهُ عَلَى ما وَصَفَ فأَمَرُوهُ أَنْ يَحْضُرَ ذَلِكَ الكاهِنَ وَأَنْ يَخْتَلِفَ إِلَيْهِ‏.‏ فَجَعَلَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ وَكانَ عَلَى طَرِيقِ الغُلاَمِ رَاهِبٌ فِي صَوْمَعَةٍ- قالَ مَعْمَرٌ‏:‏ أَحْسَبُ أَنّ أَصْحَابَ الصّوَامِعِ كانُوا يَوْمَئِذٍ مُسْلِمِينَ- قالَ‏:‏ فَجَعَلَ الغُلاَمُ يَسْأَلُ ذَلِكَ الرّاهِبَ كُلّمَا مَرّ بِهِ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتّى أَخْبَرَهُ فقالَ‏:‏ إِنّمَا أَعْبُدُ الله، قالَ‏:‏ فَجَعَلَ الغُلاَمُ يَمْكُثُ عِنْدَ الرّاهِبِ وَيبطئ عَلى الكاهِنِ، فأَرْسَلَ الكاهِنُ إِلَى أَهْلِ الغُلاَمِ إِنّهُ لا يَكَادُ يَحْضُرُنِي فأَخْبَرَ الغُلاَمُ الرّاهِبَ بِذَلِكَ، فقالَ لَهُ الرّاهِبُ‏:‏ إِذَا قالَ لَكَ الكاهِنُ أَيْنَ كُنْتَ فَقُلْ‏:‏ عِنْدَ أَهْلِي، وَإذَا قالَ لَكَ أَهْلُكَ أَيْنَ كُنْتَ فاخْبِرْهُمْ أَنّكَ كُنْتَ عِنْدَ الكاهِنِ، قالَ‏:‏ فَبَيْنَمَا الغُلاَمُ عَلَى ذَلِكَ إذْ مَرّ بِجَمَاعَةٍ مِنَ النّاسِ كَثِيرٍ قَدْ حَبَسَتْهُمْ دَابّةٌ، فقالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ إنّ تِلْكَ الدّابّةَ كانَتْ أسَداً، قال‏:‏ فأَخَذَ الغُلاَمُ حَجراً فقالَ اللّهُمّ إِنْ كانَ مَا يَقُولُ الرّاهِبُ حَقّا فأَسْأْلُكَ أنْ أَقْتُلَهَا، قال‏:‏ ثُمّ رَمَى فَقَتَلَ الدّابّةَ، فقالَ النّاسُ مَنْ قَتَلَهَا قالُوا الغُلاَمُ، فَفَزِع النّاسُ فقالُوا قَدْ عَلِمَ هَذَا الغُلاَمُ عِلْماً لَمْ يَعْلَمْهُ أَحَدٌ، قالَ فَسَمِعَ بِهِ أَعْمَى فقالَ لَهُ‏:‏ إنْ أَنْتَ رَدَدْتَ بَصَري فَلَكَ كذَا وكذَا، قالَ له‏:‏ لا أُرِيدُ مِنْكَ هَذَا وَلَكِنْ أَرَأَيْتَ إِنْ رَجَعَ إليْكَ بَصَرُكَ أُتُؤْمِنُ بالّذِي رَدّهُ عَلَيْكَ‏؟‏ قالَ‏:‏ نَعَمْ قالَ‏:‏ فَدعَا الله فَرَدّ عَلَيْهِ بَصَرَهُ فَآمَنَ الأعْمَى، فَبَلَغَ الملِكَ أَمْرُهُمْ‏.‏ فَبَعَثَ إلَيْهِمْ فأُتِيَ بِهِمْ فقالَ‏:‏ لأَقْتُلَنّ كلّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ قِتْلَةً لا أَقْتُلُ بهَا صَاحِبَهُ، فأمَرَ بالرّاهِبِ والرّجُلِ الّذِي كانَ أعْمَى فَوَضَعَ المِنْشَارَ عَلَى مَفْرَقِ أَحَدِهِمَا فَقَتَلَه وَقَتَل الاَخَرَ بِقَتْلةٍ أُخْرَى، ثُمّ أَمَرَ بِالْغُلاَمِ فقالَ‏:‏ انْطَلِقُوا بِهِ إلَى جَبَلِ كَذَا وكَذَا فأَلْقُوهُ مِنْ رَأْسِهِ، فانْطَلَقُوا بِهِ إلى ذَلِكَ الْجبَلِ فَلَمّا انْتَهَوْا بِه إِلى ذَلِكَ المَكَانِ الّذِي أَرَادُوا أنْ يُلْقُوهُ مِنْهُ جَعَلُوا يَتَهَافَتُونَ مِنْ ذَلِكَ الجَبَلِ، ويَتَرَدّوْنَ حَتّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إلاّ الغُلاَمُ‏.‏ قالَ‏:‏ ثُمّ رَجَعَ فأَمَرَ بِهِ المَلِكُ أَنْ يَنْطَلِقُوا بِهِ إلى البَحْرِ فَيُلْقُونَهُ فِيهِ فانْطلقَ به إلى البَحْرِ فَغَرّقَ الله الّذِينَ كانُوا مَعَهُ وَأَنْجَاهُ، فقالَ الغُلاَمُ لِلْمَلِكِ‏:‏ إنّكَ لا تَقْتُلُنِي حَتّى تَصْلُبَنِي وتَرْمِينِي وتَقُولَ إِذَا رَمَيْتَنِي بِسْمِ الله رَبّ هَذَا الغُلاَمِ، قَالَ‏:‏ فأَمَرَ بِهِ فَصُلِبَ ثُمّ رَمَاهُ فقَالَ بِسْمِ الله رَبّ هَذا الغُلاَمِ‏.‏

قَالَ‏:‏ فوضَعَ الغُلاَمُ يَدَهُ عَلَى صَدْغِهِ حِينَ رُمِيَ ثُمّ مَاتَ، فقالَ الناسُ‏:‏ لَقَدْ عَلِمَ هَذَا الغُلاَمُ عِلْماً مَا عَلِمَهُ أَحَدٌ فَإِنّا نُؤْمِنُ بِرَبّ هَذَا الغُلاَمِ، قالَ‏:‏ فَقِيلَ لِلْمَلِكِ أَجَزِعْتَ أَنْ خَالَفَكَ ثَلاَثَةٌ فَهَذَا العَالَمُ كُلّهُمْ قَدْ خَالَفُوكَ، قَالَ‏:‏ فَخَدّ أُخْدُوداً ثُمّ أَلْقَى فِيهَا الْحَطَبَ وَالنّارَ ثُمّ جَمَعَ النّاسَ فقَالَ‏:‏ مَنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ تَرَكْنَاهُ وَمَنْ لَمْ يَرْجِعْ أَلْقَيْنَاهُ في هَذِهِ النّارِ، فَجَعَلَ يُلْقِيهمْ في تِلْكَ الأُخْدُودِ‏.‏ قَالَ يَقُولُ الله تبَارَكَ وتعَالَى فِيهِ‏:‏ ‏{‏قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ النّارِ ذَاتِ الوَقُودِ‏}‏ حَتّى بَلَغَ ‏{‏العَزِيزِ الْحَمِيدِ‏}‏‏.‏ قَالَ‏:‏ فَأَمّا الغُلاَمُ فَإِنّهُ دُفِنَ، قَالَ فَيُذْكَرُ أَنّهُ أُخْرِجَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ وَإِصْبَعُهُ عَلَى صدْغِهِ كَمَا وَضَعَهَا حِينَ قُتِلَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن موسى بن عبيدة‏)‏ الربذي ‏(‏عن أيوب بن خالد‏)‏ بن صفوان ابن أوس بن جابر الأنصاري المدني ثم البرقي ويعرف بابن أبي أيوب لينه ابن حجر‏.‏ وقد احتج به مسلم وغيره كذا قال الخزرجي في الخلاصة، وأراد بابن حجر الحافظ ابن حجر العسقلاني‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏اليوم الموعود‏"‏ أي المذكور في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏واليوم الموعود وشاهد ومشهود‏}‏ ‏"‏يوم القيامة‏"‏ لأن الله وعد به الناس ‏"‏واليوم المشهود يوم عرفة‏"‏ لأن الناس يشهدونه أي يحضرونه ويجتمعون فيه ‏"‏والشاهد يوم الجمعة‏"‏ أي يشهد لمن حضر صلاته ‏"‏أفضل منه‏"‏ أي من يوم الجمعة ‏"‏من شيء‏"‏ وفي بعض النسخ من شر‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذاحديث لا نعرفه إلا من حديث موسى الخ‏)‏ وأخرجه أحمد وابن أبي حاتم وابن خزيمة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن صهيب‏)‏ بن سنان الرومي الصحابي المشهور‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏همس‏)‏ من باب ضرب أي تكلم بكلام خفي ‏(‏والهمس في قول بعضهم يحرك شفتيه كأنه يتكلم‏)‏ تفسير الهمس هذا من بعض الرواة قال في النهاية‏:‏ الهمس الكلام الخفي لا يكاد يفهم ‏"‏كان أعجب‏"‏ بصيغة المجهول من الإعجاب ‏"‏بأمته‏"‏ أي من جهة الكثرة يقال أعجب بالشيء سره الشيء وعجب منه ‏"‏فأوحى الله إليه‏"‏ أي ذلك النبي ‏"‏أن خيرهم بين أن أنتقم منهم‏"‏ أي أعاقبهم ‏"‏فاختاروا‏"‏ النقمة بالكسر وبالفتح وكفرحة هي المكافأة بالعقوبة‏.‏ اعلم أن حديث صهيب هذا رواه الترمذي هكذا مختصراً مجملاً ورواه أحمد في مسنده مطولاً مفصلاً فرواه من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سليمان بن المغيرة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى همس شيئاً لا أفهمه ولا يخبرنا به قال أفطنتم لي قلنا نعم‏.‏ قال‏:‏ إني ذكرت نبياً من الأنبياء أعطى جنوداً من قومه فقال من يكافئ هؤلاء أو من يقوم لهؤلاء‏؟‏ أو غيرها من الكلام فأوحى إليه أن اختر لقومك إحدى ثلاث إما أن نسلط عليهم عدواً من غيرهم أو الجوع أو الموت، فاستشار قومه في ذلك فقالوا أنت نبي الله فكل ذلك إليك خر لنا فقام إلى الصلاة وكانوا إذا فزعوا فزعوا إلى الصلاة فصلى ما شاء الله قال ثم قال‏:‏ أي رب أما عدو من غيرهم فلا‏.‏ أو الجوع فلا‏.‏ ولكن الموت فسلط عليهم الموت‏.‏ فمات منهم سبعون ألفاً، فهمسي الذي ترون أني أقول‏:‏ أللهم بك أقاتل وبك أصاول ولا حول ولا قوة إلا بالله‏.‏ ورواه من طريق عفان عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أيام حنين يحرك شفتيه بعد صلاة الفجر بشيء لم نكن نراه يفعله‏.‏ فقلنا يا رسول الله إنا نراك تفعل شيئاً لم تكن تفعله فما هذا الذي تحرك شفتيك‏؟‏ ‏"‏قال إن نبياً فيمن كان قبلكم أعجبته كثرة أمته فقال لن يروم هؤلاء شيء‏.‏ فأوحى الله إليه أن خير أمتك بين إحدى ثلاث إما أن نسلط عليهم عدواً من غيرهم فيستبيحهم أو الجوع وإما أن أرسل عليهم الموت، فشاورهم فقالوا أما العدو فلا طاقة لنا بهم، وأما الجوع فلا صبر لنا عليه ولكن الموت، فأرسل عليهم الموت فمات منهم في ثلاثة أيام سبعون ألفاً‏"‏‏.‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا أقول الاَن حيث رأى كثرتهم أللهم بك أحاول وبك أصاول وبك أقاتل ‏(‏قال وكان إذا حدث بها الحديث حدث بهذا الحديث الاَخر قال‏:‏ كان ملك من الملوك الخ‏)‏ قال الحافظ بن كثير‏:‏ وهذا السياق ليس فيه صراحة أن سياق هذه القصة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي‏:‏ فيحتمل أن يكون من كلام صهيب الرومي فإنه كان عنده علم من أخبار النصارى انتهى‏.‏ وقال الحافظ في الفتح‏:‏ صرح برفع القصة بطولها حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب ومن طريقه أخرجها مسلم والنسائي وأحمد ووقفها معمر عن ثابت ومن طريقه أخرجها الترمذي انتهى‏.‏ قلت‏:‏ في صحيح مسلم عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر الخ‏"‏ ‏(‏غلاماً فهما‏)‏ أي سريع الفهم ‏(‏أو قال فطنا‏)‏ أي حاذقاً ‏(‏لقنا‏)‏ أي حسن التلقن لما يسمعه وهذه الألفاظ الثلاثة بوزن كتف بفتح الكاف وكسر الفوقية ‏(‏فنظروا له‏)‏ أي للكاهن ‏(‏على ما وصف‏)‏ أي ذكر لهم الكاهن ‏(‏فأمروه‏)‏ أي فوجدوا غلاماً على ما وصفه فأمروه ‏(‏وأن يختلف إليه‏)‏ أي يتردد إليه ‏(‏راهب في صومعة‏)‏ الراهب واحد رهبان النصارى وهو من اعتزل عن الناس إلى دير طلباً للعبادة، والصومعة كجوهرة بيت للنصارى ينقطع فيه رهبانهم ‏(‏قال معمر أحسب أن أصحاب الصوامع كانوا يومئذ مسلمين‏)‏ كما يدل عليه سياق هذه القصة ‏(‏فلم يزل به‏)‏ أي الغلام بالراهب ‏(‏قال فأخذ الغلام حجراً‏)‏ وفي رواية مسلم‏:‏ فقال اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل‏.‏ فأخذ حجراً ‏(‏قال فسمع به أعمى‏)‏ وفي رواية مسلم‏.‏

فأتى الراهب فأخبره فقال له الراهب‏:‏ أي بني أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى وإنك ستبتلي فإن ابتليت فلا تدل عليّ، وكان الغلام يبرئ الأكمة والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء فسمع جليس للملك كان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة ‏(‏لأقتلن كل واحد منكم قتلة‏)‏ بكسر القاف أي بنوع عن القتل ‏(‏لا أقتل بها صاحبه‏)‏ صفة لقوله قتلة‏:‏ ‏(‏فوضع المنشار‏)‏ بكسر الميم آلة ذات أسنان ينشر بها الخشب ونحوه ‏(‏على مفرق أحدهما‏)‏ المفرق كمقعد ومجلس وسط الرأس وهو الذي يفرق فيه الشعر ‏(‏وقتل الاَخر بقتلة أخرى‏)‏ وفي رواية مسلم فجيء بالراهب فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ثم جيء بجليس الملك فقيل له ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه، فرواية مسلم هذه تخالف رواية الترمذي مخالفة ظاهرة ولم يظهر لي وجه الجمع فتفكر وتأمل ‏(‏جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل‏)‏ أي يتساقطون منه ‏(‏ويتردون‏)‏ من التردي أي يسقطون، وفي رواية مسلم فصعدوا به الجبل فقال أللهم اكفنيهم بما شئت فرجف بهم الجبل فسقطوا ‏(‏فانطلق به إلى البحر فغرق الله الذين كانوا معه وأنجاه‏)‏ وفي رواية مسلم‏:‏ فذهبوا به فقال أللهم اكفنيهم بم شئت فانكفأت بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك ‏(‏حتى تصلبني‏)‏ أي على جذع كما في رواية مسلم‏.‏ قال في القاموس صلبة كضربه جعله مصلوباً كصلبه ‏(‏فوضع الغلام يده على صدغه حين رمي ثم مات‏)‏ وفي رواية مسلم ثم رماه فوضع السهم في صدغه فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات ‏(‏أجزعت‏)‏ بكسر الزاي من الجزع محركة وهو نقيض الصبر ‏(‏أن خالفك ثلاثة‏)‏ أي الأعمى والراهب والغلام ‏(‏فخذ‏)‏ أي شق ‏(‏أخدوداً‏)‏ بضم الهمزة وسكرن المعجمة الشق العظيم وجمعه أخاديد ‏(‏يقول الله تبارك وتعالى فيه‏)‏ أي في شأن هذه القصة ‏{‏قتل‏}‏ أي لعن وهو جواب القسم وقيل جوابه‏:‏ إن بطش ربك لشديد ‏{‏أصحاب الأخدود‏}‏ أي الملك الذي خد الأخدود وأصحابه ‏{‏النار‏}‏ بدل اشتمال من الأخدود ‏{‏ذات الوقود‏}‏ وصف لها بأنها عظيمة لها ما يرتفع به لهبها من الحطب الكثير وأبدان الناس، وبعده ‏{‏إذ‏}‏ ظرف لقتل أي لعنوا حين أحرقوا بالنار قاعدين حولها ‏{‏هم عليها‏}‏ أي حولها على جانب الأخدود ‏{‏قعود‏}‏ أي جلوس على الكراسي ‏{‏وهم‏}‏ أي الذين خدوا الأخدود وهم الملك وأصحابه ‏{‏على ما يفعلون بالمؤمنين‏}‏ بالله من تعذيبهم بالإلقاء في النار إن لم يرجعوا عن إيمانهم ‏{‏شهود‏}‏ أي حضور‏.‏ روى أن الله أنجى المؤمنين الملقين في النار بقبض أرواحهم قبل وقوعهم فيها فخرجت النار إلى من ثم فأحرقتهم ‏{‏وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا‏}‏ أي ما عابوا منهم وما أنكروا إلا الإيمان كقوله‏:‏

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب‏.‏

‏{‏بالله العزيز الحميد‏)‏ ذكر الأوصاف التي يستحق بها أن يؤمن به وهو كونه عزيزاً غالباً قادراً يخشى عقابه حميداً منعماً يجب له الحمد على نعمته ويرجى ثوابه ‏(‏قال فيذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب الخ‏)‏ قال ابن إسحاق‏:‏ وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه حدث أن رجلاً من أهل نجران كان زمان عمر بن الخطاب حفر خربة من خرب نجران لبعض حاجته فوجد عبد الله بن التامر تحت دفن فيها قاعداً واضعاً يده على ضربة في رأسه ممسكاً عليها بيده فإذا أخذت يده عنها انبعث دماً وإذا أرسلت يده ردت عليها فأمسكت دمها وفي يده خاتم مكتوب فيه ربي الله، فكتب فيه إلى عمر بن الخطاب يخبره بأمره فكتب عمر إليهم أن أقروه على حاله وردوا عليه الذي كان عليه ففعلوا‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي ولم يذكروا الحديث الأول منه‏.‏

1882- باب ومن سورة الغاشية

مكية وهي ست وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3467- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا عبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ، حدثنا سُفْيَانُ عنْ أَبي الزّبَيْرِ عَن جَابِرٍ قَال‏:‏ ‏"‏قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النّاسَ حَتّى يَقُولُوا لا إلَه إِلاّ الله فإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلاّ بِحَقّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى الله ثُمّ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏إنّمَا أَنْتَ مُذَكّر لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِر‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏"‏أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله الخ‏"‏ سبق شرحه في أول كتاب الإيمان ‏{‏إنما أنت مذكر‏}‏ أي ليس عليك إلا التذكير والوعظ ‏{‏لست عليهم بمصيطر‏}‏ وفي قراءة بالسين بدل الصاد أي بمسلط حتى تكرههم على الإيمان‏.‏ قال النووي قال المفسرون معناه إنما أنت واعظ ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم أمر إذ ذاك إلا بالتذكير ثم أمر بعد بالقتال، والمسيطر المسلط وقيل الجبار وقيل الرب انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي والحاكم‏.‏

1883- باب ومن سورة الفجر

مكية وهي ثلاثون آية وقيل تسع وعشرون

بسم الله الرحمن الرحيم 3468- حدثنا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بنُ عَلِيّ، حدثنا عبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ وَ أبُو دَاوُدَ قَالاَ‏:‏ أخبرنا هَمّامٌ عَن قَتَادَةَ عَن عِمْرَانَ بن عِصَامٍ عَن رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ عَن عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَن الشّفْعِ والْوتْرِ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏هِيَ الصّلاةُ بَعْضُهَا شَفْعٌ وَبعْضُهَا وتْرٌ‏"‏ قال هَذا حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ‏.‏ وَقَدْ رَوَاهُ خَالِدُ بنُ قَيْسٍ الحداني عَن قَتَادَةَ أيْضاً‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو حفص عمرو بن علي‏)‏ الفلاس ‏(‏وأبو داود‏)‏ الطيالسي ‏(‏قالا أخبرنا همام‏)‏ بن يحي الأزدي العوذي ‏(‏عن عمران بن عصام‏)‏ الضبعي بضم المعجمة وفتح الموحدة أبي عمارة البصري والد أبي جمرة بالجيم قتل يوم الزاوية سنة ثلاث وثمانين من الثانية وقيل له صحبة‏.‏ كذا في التقريب‏.‏ وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته روى عن عمران بن حصين وقيل عن رجل عنه في ذكر الشفع والوتر وروى عنه قتادة وغيره‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏بعضها شفع‏"‏ كالرباعية والثنائية ‏"‏وبعضها وتر‏"‏ كالمغرب فإنها ثلاث وهي وتر النهار وكذلك صلاة الوتر في آخر التهجد من الليل‏.‏ وفيه أن المراد بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والشفع والوتر‏}‏ الشفع من الصلاة والوتر منها لكن الحديث في إسناده رجل مجهول وهو الراوي له عن عمران بن حصين‏.‏ وقيل المراد شفع كل الأشياء ووترها كالكفر والإيمان والهدى والضلال والسعادة والشقاوة والليل والنهار والسماء والأرض والبر والبحر والشمس والقمر والجن والإنس، وقيل شفع الليالي ووترها وقيل الشفع يوم عرفة ويوم النحر والوتر ليلة يوم النحر وقيل الشفع الخلق والوتر الله الواحد الصمد، وقيل الشفع عشر ذي الحجة والوتر أيام منى الثلاثة وقيل المراد بالشفع والوتر العدد كله لأن العد لا يخلو عنهما، وقيل الشفع الحيوان لأنه ذكر وأنثى والوتر الجماد، وفيه أقوال أخرى ذكرها صاحب فتح البيان وقال ولا يخفاك ما في غالب هذه الأقوال من السقوط البين والضعف الظاهر والاتكال في التعيين على مجرد الرأي الزائف، والذي ينبغي التعويل عليه ويتعين المصير إليه ما يدل عليه معنى الشفع والوتر في كلام العرب وهما معروفان واضحان، فالشفع عند العرب الزوج والوتر الفرد، فالمراد بالاَية إما نفس العدد أو ما يصدق عليه من المعدودات بأنه شفع أو وتر، وإذا قام دليل على تعيين شيء من المعدودات في تفسير هذه الاَية فإن كان الدليل يدل على أنه المراد نفسه دون غيره فذاك، وإن كان الدليل يدل على أنه مما تناولته هذه الاَية لم يكن ذلك مانعاً من تناولها لغيره انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث قتادة‏)‏ وأخرجه أحمد وابن جرير وفي سنده رجل مجهول ‏(‏وقد رواه خالد بن قيس الحداني أيضاً عن قتادة‏)‏ رواه ابن جرير من هذا الطريق قال أخبرنا نصر بن علي حدثني أبي حدثني خالد بن قيس عن قتادة عن عمران بن عصام عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم فأسقط ذكر الرجل المبهم‏.‏ وخالد بن قيس هذا هو خالد بن قيس بن رباح الأزدي الحداني البصري صدوق يغرب من السابعة‏.‏ وقال الحافظ ابن كثير وعندي أن وقفه على عمران بن حصين أشبه والله أعلم انتهى‏.‏ وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد هذا الحديث موقوفاً على عمران فهذا يقوي ما قاله ابن كثير‏.‏

1884- باب ومن سورة ‏"‏الشمس وضحاها

مكية وهي خمس عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3469- حدثنا هَارُونُ بنُ إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيّ، حدثنا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ عَن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عَن أَبِيهِ عَن عَبْدِ الله بنِ زَمْعَةَ قالَ‏:‏ ‏"‏سَمِعْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَوْماً يَذْكُرُ النّاقَةَ والّذِي عَقَرهَا فقَالَ ‏{‏إِذَا انْبَعَثَ أَشْقَاهَا‏}‏ انْبَعَثَ لَهَا رَجُلٌ عَارِمٌ عَزِيزٌ مَنِيعٌ في رَهْطِهِ مِثْلُ أَبي زَمْعَةَ ثُمّ سَمِعْتُهُ يَذْكُرُ النّسَاء فقالَ‏:‏ إِلى مَا يَعْمِدُ أحَدُكُمْ فَيَجْلِدُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ العَبْدِ ولَعَلّهُ أَنْ يُضَاجِعَهَا مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ‏.‏ قَالَ ثُمّ وَعَظَهُمْ في ضَحِكِهِمْ مِنْ الضَرْطَةِ فقالَ إلى مَا يَضْحَكُ أَحَدُكُمْ مِمّا يَفْعَلُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن زمعة‏)‏ بن الأسود بن المطلب بن أسد القرشي الأسدي صحابي مشهور استشهد يوم الدار مع عثمان‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏يذكر الناقة‏)‏ أي المذكورة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فقال لهم رسول الله ناقة وسقياها‏}‏ وهي ناقة صالح عليه السلام ‏(‏والذي عقرها‏)‏ أي ويذكر الذي عقر الناقة أي ضرب قوائمها بالسيف فقطعها وهو قدار بن سالف وهو أحيمر ثمود الذي قال الله تعالى فيه‏:‏ ‏{‏فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر‏}‏ وذكر ابن إسحاق في المبتدأ وغير واحد أن سبب عقرهم الناقة أنهم كانوا اقترحوها على صالح عليه السلام فأجابهم إلى ذلك بعد أن تعنتوا في وصفها فأخرج الله له ناقة من صخرة بالصفة المطلوبة فآمن بعض وكفر بعض، واتفقوا على أن يتركوا الناقة ترعى حيث شاءت وترد الماء يوماً بعد يوم، وكانت إذا وردت تشرب ماء البئر كله، وكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم للغد ثم ضاق بهم الأمر في ذلك فانتدب تسعة رهط منهم قدار المذكور فباشر عقرها، فلما بلغ ذلك صالحاً عليه السلام أعلمهم بأن العذاب سيقع بهم بعد ثلاثة أيام فوقع كذلك كما أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه وأخرج أحمد وابن أبي حاتم من حديث جابر رفعه‏:‏ أن الناقة كانت ترد يومها فتشرب جميع الماء ويحتلبون منها مثل الذي كانت تشرب، وفي سنده إسماعيل بن عياش وفي روايته عن غير الشاميين ضعف وهذا منها كذا في الفتح ‏{‏إذا انبعثت‏}‏ أي قام وأسرع ‏{‏أشقاها‏}‏ أي أشقى ثمود وهو قدار بن سالف ‏"‏انبعث لها‏"‏ أي لعقر الناقة برضائهم ‏"‏رجل عارم‏"‏ بالعين والراء المهملتين أي صعب على من يرومه كثير الشهامة والشر ‏"‏عزيز‏"‏ أي شديد قوي وقيل قليل المثل ‏"‏منيع‏"‏ أي قوي ذو منعة أي رهط يمنعونه من الضيم ‏"‏في رهطه‏"‏ أي قومه ‏"‏مثل أبي زمعة‏"‏ أي في عزته ومنعته في قومه وهو الأسود المذكور جد عبد الله بن زمعة، وكان الأسود أحد المستهزئين ومات على كفره بمكة وقتل ابنه زمعة يوم بدر كافراً أيضاً‏.‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ مثل أبي زمعة عم الزبير بن العوام‏.‏ قال الحافظ هو عم الزبير مجازاً لأنه الأسود بن المطلب بن أسد والعوام بن خويلد ابن أسد فنزل ابن العم منزلة الأخ فأطلق عليه عما بهذا الاعتبار، كذا جزم الدمياطي بإسم أبي زمعة هنا وهو المعتمد ‏(‏ثم سمعته‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏يذكر النساء‏)‏ أي ما يتعلق بهن استطراداً فذكر ما يقع من أزواجهن ‏"‏إلى ما يعمد‏"‏ بكسر الميم أي يقصد ‏"‏فيجلد امرأته‏"‏ أي فيضربها يقال جلدته بالسيف والسوط ونحوهما إذا ضربته ‏"‏جلد العبد‏"‏ بالنصب أي مثل جلد العبد، وفي رواية للبخاري بم يضرب أحدكم امرأته ضرب الفحل ‏"‏ولعله‏"‏ أي الذي يجلدها في أول اليوم ‏"‏أن يضاجعها‏"‏ أي يجامعها ويطؤها ‏"‏من آخر يومه‏"‏ أي في آخره فكلمة من هنا بمعنى في ‏"‏إلى ما يضحك أحدكم مما يفعل‏"‏ يعني الضرطة وكانوا في الجاهلية إذا وقع ذلك من أحد منهم في مجلس يضحكون منهاهم عن ذلك، وفي رواية للبخاري‏:‏ لم يضحك أحدكم مما يفعل‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان والنسائي‏.‏

1885- باب ومن سورة ‏{‏والليل إذا يغشى‏}‏

مكية وهي إحدى وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3470- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ أخبرنا زَائِدَةُ بنُ قُدَامَةَ عَن مَنْصُورِ بنِ المعتمر عن سَعْدِ بنِ عُبَيْدَة عَن أَبي عبْدِ الرّحْمَنِ السّلَمِيّ عَن عَلِيّ رضي الله عنه قَالَ‏:‏ كُنّا في جَنَازَةٍ في البَقِيعِ فأَتَى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فَجَلَسَ وَجَلَسْنَا مَعَهُ وَمَعَهُ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ في الأرْضِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلى السّمَاءِ فقالَ‏:‏ ‏"‏مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلاّ قَدْ كُتِبَ مَدْخَلُهَا، فقالَ القَوْمُ‏:‏ يَا رَسُولَ الله أَفَلاَ نَتّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا فَمَن كَانَ مِنْ أَهْلِ السّعَادَةِ فَإنّه يَعْمَلُ لِلسّعَادَة، وَمَنْ كَانَ من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء‏؟‏ قال‏:‏ بل اعملوا فكل ميسّر‏.‏ أما من كان مِنْ أَهْلِ السّعَادَةِ فإِنّهُ يُيَسّرٌ لِعَمَلِ السّعَادَةِ‏.‏ وَأمّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشّقَاءِ فإِنّهُ يُيَسّرٌ لِعَمَلِ الشّقَاءِ‏.‏ ثُمّ قَرَأ‏:‏ ‏{‏فأَمّا مَنْ أَعْطَى واتّقَى وَصَدّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِليُسْرَى وَأَمّا مَنْ بَخِلَ واسْتَغْنَى وَكَذّبَ بالحسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى‏}‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن سعد بن عبيدة‏)‏ السلمي ‏(‏عن أبي عبد الرحمن السلمي‏)‏ بضم السين وفتح اللام إسمه عبد الله بن حبيب‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏كنا في جنازة في البقيع‏)‏ بفتح الموحدة وكسر القاف وهو مقبرة المدينة ‏(‏ومعه عود ينكت‏)‏ بضم الكاف من النكت ‏(‏به في الأرض‏)‏ أي يضرب الأرض بطرفه فعل المتفكر في شيء مهم ‏"‏ما من نفس منفوسة‏"‏ أي مولودة يقال نفست المرأة ونفست فهي منفوسة ونفساء إذا ولدت ‏"‏إلا قد كتب مدخلها‏"‏ الذي تصير إليه من الجنة والنار ‏{‏فأما من أعطى‏}‏ أي حق الله وبذل ماله في وجوه الخير ‏{‏واتقى‏}‏ أي الله فاجتنب محارمه ‏{‏وصدق بالحسنى‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ يقول لا إله إلا الله وعنه‏:‏ صدق بالخلف به أي أيقن أن الله سيخلف عليه ما أنفقه في طاعته، وقيل صدق بالجنة، وقيل صدق بموعد الله الذي وعده أن يثيبه ‏{‏فسنيسره‏}‏ أي نهيئه ‏{‏لليسرى‏}‏ أي للخلة اليسرى وهي العمل بما يرضاه ربه ‏{‏وأما من بخل‏}‏ أي بحق الله ‏{‏واستغنى‏}‏ أي عن ثواب الله تعالى فلم يرغب فيه ‏{‏وكذب بالحسنى‏}‏ أي بلا إله إلا الله وكذب بما وعده الله عز وجل من الجنة والثواب ‏{‏فسنيسره للعسرى‏}‏ أي للخلة المؤدية إلى النار فتكون الطاعة أعسر شيء عليه وأشد أو سمي طريقة الخير باليسرى لأن عاقبتها اليسر وطريقة الشر بالعسرى لأن عاقبتها العسر، أو أراد بهما طريقي الجنة والنار، وتقدم حديث علي هذا مختصراً في باب الشقاء والسعادة من أبواب القدر‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة‏.‏

1886- باب ومن سورة والضحى

مكية وهي إحدى عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3471- حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، حدثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عَن الأسْوَدِ بنِ قَيْسٍ عَن جُنْدُبٍ البَجَلِيّ قالَ‏:‏ ‏"‏كُنْتُ مَعَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم في غَارٍ فَدَمِيَتْ إِصْبَعُه فقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ هَلْ أَنْتِ إِلاّ إِصْبَعٌ دَمِيتِ وَفي سَبِيلِ الله مَا لَقِيتِ‏.‏ قَالَ وَأَبْطَأَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عليه السلام فقالَ المُشْرِكُونَ قَدْ وُدّعَ مُحَمّدٌ فأَنْزَلَ الله تَبَارَكَ وتعَالى ‏{‏مَا وَدّعَكَ رَبّكَ ومَا قَلَى‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏ وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ وَالثّوْرِيّ عَن الأسْوَدِ بنِ قَيْسٍ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن الأسود بن قيس‏)‏ العبدي ‏(‏عن جندب‏)‏ بضم أوله والدال وتفتح ابن عبد الله بن سفيان ‏(‏البجلي‏)‏ بموحدة وجيم مفتوحتين قوله‏:‏ ‏(‏كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار‏)‏ بالغين المعجمة وبالراء وكذا هو في صحيح مسلم‏.‏ قال النووي كذا هو في الأصول في غار‏.‏ قال القاضي عياض قال أبو الوليد الكناني لعله غازياً فتصحف كما قال في الرواية الأخرى في بعض المشاهد وكما جاء في رواية البخاري‏:‏ بينما النبي صلى الله عليه وسلم يمشي إذ أصابه حجر قال القاضي وقد يراد بالغار هنا الجمع والجيش لا الغار الذي هو الكهف فيوافق رواية بعض المشاهد ومنه قول علي‏:‏ ما ظنك بامرئ جمع بين هذين الغازين أي العسكرين والجمعين انتهى ‏(‏فدميت إصبعه‏)‏ يقال دمي الشيء يدمي دماً ودمياً فهو دم مثل فرق يفرق فرقاً فهو فرق والمعنى أن أصبعه جرحت فظهر منها الدم ‏"‏هل أنت‏"‏ معناه ما أنت ‏"‏دميت‏"‏ بفتح الدال صفة للأصبع والمستثنى فيه أعم عام الصفة أي ما أنت يا أصبع موصوفة بشيء إلا بأن دميت كأنها لما توجعت خاطبها على سبيل الاستعارة أو الحقيقة معجزة تسلياً لها أي تثبتي فإنك ما ابتليت بشيء من الهلاك والقطع سوى أنك دميت ولم يكن ذلك أيضاً هدراً بل كان في سبيل الله ورضاه ‏"‏وفي سبيل الله ما لقيت‏"‏ لفظ ما هنا بمعنى الذي‏.‏ أي الذي لقيته محسوب في سبيل الله ‏(‏وأبطأ عليه جبريل‏)‏ أي تأخر واحتبس‏.‏

قال الحافظ‏:‏ والحق أن الفترة المذكورة في سبب نزول والضحى غير الفترة المذكورة في ابتداء الوحي فإن تلك دامت أياماً وهذه لم تكن إلا ليلتين أو ثلاثاً ‏(‏قد ودع محمد‏)‏ بصيغة المجهول من التوديع أي ترك ‏{‏ما ودعك ربك وما قلى‏}‏ أي ما تركك وما أبغضك‏.‏ قاله ابن عباس والقلاء البغض يقال قلاه يقليه قلاء، وقال وما قلى ولم يقل وما قلاك لموافقة رؤوس الاَي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان والنسائي وابن أبي حاتم وابن جرير‏.‏

1887- باب ومن سورة ألم نشرح

مكية وهي ثمان آيات

بسم الله الرحمن الرحيم 3472- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا مُحمّدُ بنُ جَعْفَرٍ و ابنُ أبي عَدِيّ عَن سَعِيدِ بن أبي عروبة عَن قَتَادَةَ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ عَن مالِكِ بنِ صَعْصَعَةَ- رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ- أَنّ النبيّ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ البَيْتِ بيْنَ النّائِمِ وَاليْقْظَانِ إذْ سَمِعْتُ قائِلاً يقُولُ‏:‏ أَحَدٌ بَيْنَ الثّلاَثَةِ‏.‏ فأُتِيتُ بِطِسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهَا مَاءُ زَمْزَمَ فَشُرِحَ صَدْرِي إِلى كَذَا وَكَذَا، قال قَتَادَةُ قُلْتُ يَعْنِي قلت لأنَس بن مالكٍ ما يَعْنِي‏؟‏ قالَ إلى أَسْفَلِ بَطْنِي، قالَ فاسْتخْرجَ قَلْبِي فغسلَ قَلْبي بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمّ أُعِيدَ مَكَانَهُ ثُمّ حُشِي إِيمَاناً وَحِكْمَةً‏"‏ وَفِي الحدِيثِ قِصّةٌ طَوِيلَةٌ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏ وَقَدْ رَوَاهُ هِشَامٌ الدّسْتَوَائِيّ وَهَمّامٌ عنْ قَتَادَةَ‏.‏ وفيهِ عَن أَبي ذَرّ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا محمد بن جعفر‏)‏ المعروف بغندر ‏(‏عن سعيد‏)‏ هو ابن أبي عروبة ‏(‏عن مالك بن صعصعة‏)‏ الأنصاري المازني صحابي روى عنه أنس حديث المعراج كأنه مات قديما كذا في التقريب‏.‏ وقال الحافظ في الفتح ما له في البخاري ولا في غيره سوى هذا الحديث ولا يعرف روى عنه إلا أنس بن مالك‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏بينما أنا عند البيت بين النائم واليقظان‏"‏ قال النووي‏:‏ قد يحتج به من يجعلها رؤيا نوم ولا حجة فيه إذ قد يكون ذلك حاله أول وصول الملك إليه وليس في الحديث ما يدل على كونه نائماً في القصة كلها انتهى‏.‏ وقال الحافظ‏:‏ هو محمول على ابتداء الحال ثم لما خرج به إلى باب المسجد فأركبه البراق استمر في يقظته، وأما ما وقع في رواية شريك الاَتية في التوحيد في آخر الحديث فلما استيقظت، فإن قلنا بالتعدد فلا إشكال وإلا حمل على أن المراد باستيقظت أفقت أي أنه أفاق مما كان فيه من شغل البال بمشاهدة الملكوت ورجع إلى العالم الدنيوي انتهى‏.‏ وقال القرطبي‏:‏ يحتمل أن يكون استيقاظاً من نومة نامها بعد الإسراء لأن إسراءه لم يكن طول ليلة وإنما كان في بعضها انتهى‏.‏

اعلم أنه وقع في هذه الرواية‏:‏ ‏"‏بينما أنا عند البيت‏"‏، ووقع في رواية ‏"‏بينما أنا في الحطيم‏"‏ وربما قال ‏"‏في الحجر‏"‏، وفي رواية الزهري عن أنس عن أبي ذر ‏"‏فرج سقف بيتي وأنا بمكة‏"‏، وفي رواية الواقدي بأسانيده أنه أسرى به من شعب أبي طالب‏.‏ وفي حديث أم هانئ عند الطبراني أنه بات في بيتها قال ففقدته من الليل فقال إن جبريل أتاني قال الحافظ‏:‏ والجمع بين هذه الأقوال أنه نائم في بيت أم هانئ وبيتها عند شعب أبي طالب ففرج سقف بيته وأضاف البيت إليه لكونه كان يسكنه فنزل منه الملك فأخرجه من البيت إلى المسجد فكان به مضجعاً وبه أثر النعاس‏.‏ وقد وقع في مرسل الحسن عند ابن إسحاق أن جبريل أتاه فأخرجه إلى المسجد فأركبه البراق وهو يؤيد هذا الجمع ‏"‏إذ سمعت قائلاً يقول أحد بين الثلاثة‏"‏ وفي رواية مسلم‏:‏ إذ سمعت قائلاً يقول أحد الثلاثة بين الرجلين‏.‏

قال الحافظ‏:‏ المراد بالرجلين حمزة وجعفر والنبي صلى الله عليه وسلم كان نائماً بينهما ‏"‏فأتيت‏"‏ بصيغة المجهول ‏"‏بطست‏"‏ بفتح الطاء وإسكان السين المهملتين إناء معروف وهي مؤنثة ويقال فيها طست بتشديد السين وحذف التاء وطست أيضاً ‏"‏فيها‏"‏ أي في الطست ‏"‏فشرح‏"‏ بالبناء المفعول من الشرح أي شق ‏"‏صدري إلى كذا وكذا‏"‏ وفي رواية للشيخين‏:‏ فشق من النحر إلى مراق البطن ‏(‏ثم حشي‏)‏ أي ملئ ‏(‏إيماناً وحكمة‏)‏ بالنصب على التمييز، وهذا الملأ يحتمل أن يكون على حقيقته وتجسيد المعاني جائز كما جاء أن سورة البقرة تجيء يوم القيامة كأنها ظلة والموت في صورة كبش، وكذلك وزن الأعمال وغير ذلك من أحوال الغيب‏.‏ وقال البيضاوي‏:‏ لعل ذلك من باب التمثيل إذ تمثيل المعاني قد وقع كثيراً كما مثلت له الجنة والنار في عرض الحائط وفائدته كشف المعنوي بالمحسوس‏.‏ وقال ابن أبي جمرة‏:‏ فيه أن الحكمة ليس بعد الإيمان أجل منها ولذلك قرنت معه ويؤيده قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً‏}‏ وأصح ما قيل في الحكمة أنها وضع الشيء في محله أو الفهم في كتاب الله فعلى التفسير الثاني قد يوجد الحكمة دون الإيمان وقد لا توجد وعلى الأول فقد يتلازمان لأن الإيمان يدل على الحكمة وأورد الترمذي هذا الحديث في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ألم تشرح لك صدرك‏}‏‏.‏ قال الحافظ بن كثير‏:‏ يعني إنا شرحنا لك صدرك أي نورناه وجعلناه فسيحاً رحيباً كقوله‏:‏ ‏{‏فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام‏}‏ وكما شرح الله صدره كذلك جعل شرعه فسيحاً واسعاً سمحاً سهلاً لا حرج فيه ولا إصر ولا ضيق، وقيل المراد بقوله‏:‏ ‏{‏ألم نشرح لك صدرك‏}‏ شرح صدره ليلة الإسراء كما تقدم من رواية مالك بن صعصعة، وقد أورده الترمذي ههنا وهذا وإن كان واقعاً ليلة الإسراء كما رواه مالك بن صعصعة‏.‏ ولكن لا منافاة فإن من جملة شرح صدره الذي فعل بصدره ليلة الإسراء وما نشأ عنه من الشرح المعنوي أيضاً انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الحديث قصة طويلة‏)‏ أخرج الشيخان هذا الحديث بالقصة الطويلة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفيه عن أبي ذر‏)‏ أخرج حديثه الشيخان‏.‏

1888- باب ومن سورة والتين

مكية وهي ثمان آيات

بسم الله الرحمن الرحيم 3473- حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، حدثنا سُفْيَانُ عَن إسْمَاعِيلَ بنِ أُمَيّةَ قالَ‏:‏ سَمِعْتُ رَجُلاً بَدَوِيّا أَعْرَابِيّا يقُولُ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَرْوِيهِ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏مَنْ قَرَأَ سُورَةَ ‏{‏وَالتّينِ والزّيْتُونِ‏}‏ فَقَرَأَ ‏{‏أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الحاكِمِينَ‏}‏ فَلْيَقُلْ‏:‏ بَلَى وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشّاهِدِينَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ إِنّمَا يُرْوَى بِهَذَا الإسْنَادِ عَنْ هَذَا الأعْرَابِيّ عَن أَبي هُرَيْرَةَ وَلاَ يُسَمّى‏.‏

- وله‏:‏ ‏(‏عن إسماعيل بن أمية‏)‏ بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي ثقة ثبت من السادسة‏.‏ قوله‏:‏ ‏{‏أليس الله بأحكم الحاكمين‏}‏ أي أقضى القاضين يحكم بينك وبين أهل التكذيب بك يا محمد ‏(‏فليقل بلى‏)‏ أي نعم ‏(‏وأنا على ذلك‏)‏ أي كونك أحكم الحاكمين ‏(‏من الشاهدين‏)‏ أي أنتظم في سلك من له مشافهة في الشهادتين من أنبياء الله وأوليائه‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ وهذا أبلغ من أنا شاهد ومن ثم قالوا في ‏{‏وكانت من القانتين‏}‏ وفي ‏{‏إنه في الاَخرة لمن الصالحين‏}‏ أبلغ من وكانت قانتة ومن إنه في الاَخرة صالح لأن من دخل في عداد الكامل وساهم معهم الفضائل ليس كمن انفرد عنهم انتهى‏.‏ وهذا الحديث أخرجه الترمذي هكذا مختصراً، وزاد أبو داود في روايته‏:‏ ومن قرأ ‏{‏لا أقسم بيوم القيامة‏}‏ فانتهى إلى ‏{‏أليس ذلك بقادر على أن يحيى الوتى‏}‏ فليقل بلى‏.‏ ومن قرأ ‏{‏والمرسلات‏}‏ فبلغ ‏{‏فبأي حديث بعده يؤمنون‏}‏ فليقل آمنا بالله‏.‏ والحديث يدل على أن من يقرأ هذه الاَيات يستحب له أن يقول تلك الكلمات سواء كان في الصلاة أو خارجها، وأما قولها للمقتدي خلف الإمام فلم أقف على حديث يدل عليه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث إنما يروى بهذا الإسناد الخ‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود وهو حديث ضعيف لجهالة الأعرابي‏.‏

1889- باب ومن سورة إقرأ باسم ربك

وتسمى سورة العلق مكية وهي تسع عشرة آية

3474- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ أخبرنا عبْدُ الرّزّاقِ عَن مَعْمَرٍ عَن عبْدِ الكَرِيمِ الجَزرِيّ عَن عِكْرِمَةَ عَن ابنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما ‏{‏سَنَدْعُ الزّبانِيَةَ‏}‏‏.‏ قالَ قَالَ أَبُو جَهْلٍ لَئِنْ رَأيْتُ مُحَمداً يُصَلّي لأطَأَنّ عَلَى عُنقِهِ‏.‏ فقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏لَوْ فَعَلَ لأخَذَتْهُ المَلاَئِكَةُ عَيَاناً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غريبٌ‏.‏

3475- حدثنا أبو سَعِيدٍ الأشَجّ، حدثنا أَبُو خَالِدٍ الأحْمَرُ عَن دَاوُدَ بنِ أَبي هِنْدٍ عَن عِكْرِمَةَ عَن ابنِ عَبّاسٍ قالَ‏:‏ ‏"‏كانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يُصَلّي فَجَاءَ أَبُو جَهْلٍ فقالَ‏:‏ أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا‏؟‏ أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا‏؟‏ ألَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا‏؟‏ فانْصَرَفَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَزَبَرَهُ، فقالَ أَبُو جَهْلٍ إنّكَ لَتَعْلَمُ ما بِهَا نادٍ أَكْثَرَ مِنّي، فأنْزَلَ الله تبارَكَ وتعالى‏:‏ ‏{‏فَلْيَدْعُ نَادِيَه سَنَدْعُ الزّبانِيَةَ‏}‏‏.‏ فقالَ ابنُ عبّاسٍ فوالله لَوْ دَعَا نَادِيَهُ لأخَذَتْهُ زَبانِيَةُ الله‏"‏ قال‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ صحيحٌ‏.‏ وَفِيهِ عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن معمر‏)‏ بن راشد الأزدي ‏(‏عن عبد الكريم الجزري‏)‏ هو ابن مالك‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو جهل‏)‏ هذه من مرسلات ابن عباس لأنه لم يدرك زمن قول أبي جهل ذلك‏.‏ لأن مولده قبل الهجرة نحو ثلاث سنين ويحمل على أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أو من صحابي آخر ‏(‏لئن رأيت محمداً يصلي‏)‏ زاد البخاري عند الكعبة ‏(‏لأطأن‏)‏ بصيغة المضارع المتكلم مؤكدة باللام والنون الثقيلة من الوطء وهو الدوس من باب سمع يسمع ‏"‏لو فعل‏"‏ أي أبو جهل ‏"‏لأخذته الملائكة‏"‏ المراد بالملائكة الزبانية وهم ملائكة العذاب ‏"‏عياناً‏"‏ يقال لقيه أو رآه عياناً أي مشاهدة لم يشك في رؤيته، وإنما شدد الأمر في حق أبي جهل ولم يقع مثل ذلك لعقبة بن أبي معيط حيث طرح سلي الجزور على ظهره صلى الله عليه وسلم وهو يصلي لأنهما وإن اشتركا في مطلق الأذية حالة صلاته لكن زاد أبو جهل بالتهديد وبدعوى أهل طاعته وبإرادة وطء العنق الشريف، وفي ذلك من المبالغة ما اقتضى تعجيل العقوبة له لو فعل ذلك، ولأن سلي الجزور لم يتحقق نجاستها وقد عوقب عقبة بدعائه صلى الله عليه وسلم وعلى من شاركه في فعله فقتلوا يوم بدر كذا في الفتح‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والبخاري والنسائي وابن جرير‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عبد الله بن سعيد‏)‏ الكندي أبو سعيد الأشج الكوفي ‏(‏حدثنا أبو خالد الأحمر‏)‏ إسمه سليمان بن حيان الأزدي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي‏)‏ أي عند المقام كما في رواية ابن جرير ‏(‏فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي عن صلاته ‏(‏فزبره‏)‏ بزاي موحدة فراء كنصر وضرب أي نهر النبي صلى الله عليه وسلم أبا جهل وأغلظ له في القول، وفي رواية ابن جرير‏:‏ فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهره ‏(‏ما بها‏)‏ أي بمكة ‏(‏ناد أكثر مني‏)‏ وفي رواية ابن جرير والله إني لأكثر هذا الوادي نادياً‏.‏ قال في النهاية‏:‏ النادي مجتمع القوم وأهل المجلس فيقع على المجلس وأهله ‏{‏فليدع ناديه‏}‏ أي أهل ناديه لأن النادي من المجلس الذي يجلس وينتدي فيه القوم ويجتمعون فيه من الأهل والعشيرة ولا يسمى المكان نادياً حتى يكون فيه أهله‏.‏ والمعنى ليدع عشيرته وأهله ليعينوه وينصروه ‏{‏سندع الزبانية‏}‏ أي الملائكة الغلاظ الشداد وهم خزنة جهنم سموا بذلك لأنهم يدفعون أهل النار إليها بشدة مأخوذ من الزبن وهو الدفع‏.‏ قيل واحدها زابن وقيل زبنية وقيل زبنى على النسب وقيل هو إسم للجمع لا واحد له من لفظه كعباديد وأبابيل، وقال قتادة هم الشرط في كلام العرب، وأصل الزبن الدفع والعرب تطلق هذا الإسم على من اشتد بطشه ‏(‏لو دعا‏)‏ أي أبو جهل ‏(‏لأخذته زبانية الله‏)‏ أي ملائكته الغلاظ الشداد‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والنسائي وابن جرير‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفيه عن أبي هريرة‏)‏ أخرج حديثه النسائي وفي آخره فلم يفاجأهم منه إلا وهو أي أبو جهل ينكص على عقبيه ويتقي بيديه فقيل له مالك‏؟‏ فقال إن بيني وبينه لخندقا من نار وهولاً وأجنحة‏.‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لو دنا اختطفته الملائكة عضواً عضواً‏"‏‏.‏

1890- باب ومن سورة ليلة القدر

قيل هي مكية وقيل مدنية وهي خمس آيات

3476- حدثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أَبُو دَاودُ الطّيَالِسِيّ، أخبرنا القاسِمُ بنُ الفَضْلِ الحُدّانِيّ عَن يُوسُفَ بنِ سَعْدٍ قالَ‏:‏ ‏"‏قامَ رَجُلٌ إلى الحَسَنِ بنِ عَلِيّ بَعْدَ ما بَايَعَ مُعَاوِيَةَ فقالَ سَوّدْتَ وُجُوهَ المُؤْمِنِينَ أَوْ يا مُسَوّدَ وُجُوهِ المُؤْمِنِينَ، فقالَ لا تُؤَنّبْني رَحِمَكَ الله فإِنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أُرِيَ بَنِي أُمَيّةَ عَلَى مِنْبَرِهِ فَسَاءَهُ ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ ‏{‏إنّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ‏}‏ يا مُحمّدُ يَعْنِي نَهْراً في الجَنّةِ، ونَزَلَتْ ‏{‏إنّا أَنْزَلْنَاهُ في لَيْلَةِ القَدْرِ وَما أدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القَدْرِ لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ‏}‏ يَمْلِكُهَا بَعْدَكَ بَنُو أُمَيّةَ يا مُحمّدُ‏.‏ قالَ القاسِمُ فَعَدَدْنَاها فإِذَا هِيَ أَلْفُ شَهْرٍ لا تَزِيدُ يَوْماً وَلاَ تَنْقُصُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ القاسِمِ بن الفَضْلِ وَقَدْ قِيلَ عَنْ القَاسِم بنِ الفَضْلِ عَن يُوسُفَ بنِ مَازِن‏.‏ والقاسِمُ بنُ الفَضْلِ الْحُدّانِيّ هُوَ ثِقَةٌ وَثّقَهُ يَحْيى بنُ سعِيدٍ وعَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ‏.‏ وَيُوسُفُ بنُ سَعْدٍ رَجُلٌ مَجْهُولٌ‏.‏ وَلا نَعْرِفُ هَذَا الحَدِيثَ عَلَى هَذَا اللّفْظِ إلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏

3477- حدثنا ابنُ أَبي عُمَر، حدثنا سُفْيَانُ عَن عَبْدَةَ بنِ أبي لُبَابَةَ و عاصِمٍ عز لبت بعدلة سَمِعَا زِرّ بنَ حُبَيْشٍ و زرّ بنَ حُبَيْشٍ يكنى أبا مريم يقُولُ‏:‏ ‏"‏قُلْتُ لاِبيّ بنِ كَعْبٍ إِنّ أَخَاكَ عبْدَ الله بن مَسْعُودٍ يقولُ مَن يَقُمِ الْحَوْلَ يُصِبْ لَيْلَةَ القَدْرِ، فقالَ يَغْفِرُ الله لأبي عَبْدِ الرّحْمَنِ لَقَدْ عَلِمَ أنّهَا في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَأَنّها لَيْلَةُ سَبْعٍ وعِشْرِينَ ولَكِنّهُ أَرَادَ أَنْ لاَ يَتّكِلَ النّاسُ ثُمّ حَلَفَ لا يَسْتَثْنِي أَنّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ‏.‏ قال قُلْتُ لَهُ بِأيّ شَيْءِ تَقُولُ ذَلِكَ يا أَبَا المُنْذِرِ‏؟‏ قالَ بالاَيةِ الّتِي أخبرنا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَو بالعَلاَمَةِ أَنّ الشّمْسَ تَطْلِعُ يَوْمَئِذٍ لا شُعَاعَ لَهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن يوسف بن سعد‏)‏ الجمحي مولاهم البصري ويقال هو يوسف ابن مازن ثقة من الثالثة ‏(‏قال قام رجل‏)‏ وفي رواية ابن جرير من طريق القاسم بن الفضل عن عيسى بن مازن‏:‏ قال قلت للحسن بن علي رضي الله عنه الخ ‏(‏إلى الحسن بن علي‏)‏ بن أبي طالب ‏(‏بعدما بايع‏)‏ أي الحسن بن علي ‏(‏معاوية‏)‏ أي ابن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية الأموي أبا عبد الرحمن الخليفة صحابي أسلم قبل الفتح وكتب الوحي ومات في رجب سنة ستين وقد قارب الثمانين ‏(‏أو يا مسود وجوه المؤمنين‏)‏ كلمة أو للشك ‏(‏لا تؤنبني‏)‏ بصيغة النهي من التأنيب وهو المبالغة في التوبيخ والتعنيف ‏(‏أري‏)‏ بصيغة المجهول من الإراءة أي في المنام ‏(‏بني أمية على منبره‏)‏ وفي رواية ابن جرير‏:‏ أري في منامه بني أمية يعلون منبره خليفة ‏{‏إنا أنزلناه‏}‏ أي القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا ‏{‏في ليلة القدر‏}‏ أي الشرف والعظم ‏{‏وما أدراك‏}‏ أي أعلمك يا محمد ‏{‏ما ليلة القدر‏}‏ تعظيم لشأنها وتعجيب منه ‏{‏ليلة القدر خير من ألف شهر‏}‏ أي ليس فيها ليلة القدر، فالعمل الصالح فيها خير منه في ألف شهر ليست فيها ‏(‏يملكها‏)‏ الضمير المنصوب راجع إلى ألف شهر، والمعنى أن ليلة القدر خير من مدة ألف شهر يملك فيها بنو أمية الولاية والخلافة ‏(‏قال القاسم‏)‏ أي ابن الفضل الحداني المذكور في الإسناد ‏(‏فعددناها‏)‏ أي مدة خلافة بني أمية وفي رواية ابن جرير فحسبنا ملك بني أمية ‏(‏فإذا هي ألف شهر‏)‏ هي ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر وكان استقلال إمارة بني أمية منذ بيعة الحسن بن علي لمعاوية وذلك على رأس أربعين سنة من الهجرة وكان انفصال دولتهم على يد أبي مسلم الخراساني سنة اثنين وثلاثين ومائة وذلك اثنان وتسعون سنة يسقط منها مدة خلافة ابن الزبير ثمان سنين وثمانية أشهر يبقى ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر كذا في المجمع‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث القاسم بن الفضل وقد قيل عن القاسم بن الفضل عن يوسف بن مازن الخ‏)‏ قال الحافظ ابن كثير بعد نقل كلام الترمذي هذا‏:‏ وقد روى هذا الحديث الحاكم في مستدركه من طريق القاسم بن الفضل عن يوسف بن مازن به، وقول الترمذي إن يوسف هذا مجهول فيه نظر فإنه قد روى عنه جماعة منهم حماد بن سلمة وخالد الحذاء ويونس بن عبيد، وقال فيه يحيى بن معين هو مشهور، وفي رواية عن ابن معين قال هو ثقة، ورواه ابن جرير من طريق القاسم بن الفضل عن يوسف بن مازن كذا قال وهذا يقتضي اضطراباً في هذا الحديث والله أعلم‏.‏ ثم هذا الحديث على كل تقدير منكر جداً‏.‏ قال شيخنا الإمام الحافظ الحجة أبو الحجاج المزي هو حديث منكر‏.‏ قال وقول القاسم بن الفضل الحداني أنه حسب مدة بني أمية فوجدها ألف شهر لا تزيد يوماً ولا تنقص ليس بصحيح فإن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه استقل بالملك حين سلم إليه الحسن بن علي الإمرة سنة أربعين واجتمعت البيعة لمعاوية وسمي ذلك عام الجماعة ثم استمروا فيها متتابعين بالشام وغيرها لم يخرج عنهم إلا مدة دولة عبد الله بن الزبير في الحرمين والأهواز وبعض البلاد قريباً من تسع سنين لكن لم تزل يدهم عن الإمرة بالكلية بل عن بعض البلاد إلى أن أستلبهم بنو العباس الخلافة في سنة اثنتين وثلاثين ومائة فيكون مجموع مدتهم اثنتين وتسعين سنة وذلك أزيد من ألف شهر فإن الألف شهر عبارة عن ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر، وكأن القاسم ابن الفضل أسقط من مدتهم أيام ابن الزبير وعلى هذا فتقارب ما قاله للصحة في الحساب‏.‏

ومما يدل على ضعف هذا الحديث أنه سيق لذم دولة بني أمية ولو أريد ذلك لم يكن بهذا السياق، فإن تفضيل ليلة القدر على أيامهم لا يدل على ذم أيامهم، فإن ليلة القدر شريفة جداً والسورة الكريمة إنما جاءت لمدح ليلة القدر فكيف تمدح بتفضيلها على أيام بني أمية التي هي مذمومة بمقتضى هذا الحديث، وهل هذا إلا كما قال القائل‏:‏

ألم تر أن السيف ينقص قدرهإذا قيل إن السيف أمضى من العصا

وقال آخر‏:‏

إذا أنت فضلت امرأ ذا براعة على ناقص كان المديح من النقص

ثم الذي يفهم من الاَية أن الألف شهر المذكورة في الاَية هي أيام بني أمية والسورة مكية فكيف يحال على ألف شهر هي دولة بني أمية ولا يدل عليها لفظ الاَية ولا معناها، والمنبر إنما صنع بالمدينة بعد مدة من الهجرة فهذا كله مما يدل على ضعف الحديث ونكارته انتهى كلام الحافظ ابن كثير‏.‏

قلت‏:‏ وفي قوله‏:‏ ‏(‏ورواه ابن جرير من طريق القاسم بن الفضل عن يوسف بن مازن كذا قال‏)‏ نظر فإن ابن جرير لم يروه هكذا بل رواه من طريق القاسم بن الفضل عن عيسى بن مازن كما في النسخة المصرية وعليه يصح قول الحافظ ابن كثير، وهذا يقتضي اضطراباً في هذا الحديث فتفكر‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عبدة بن أبي لبابة‏)‏ الأسدي مولاهم ويقال مولى قريش كنيته أبو القاسم البزار الكوفي نزيل دمشق ثقة من الرابعة ‏(‏وعاصم‏)‏ بن بهدلة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏إن أخاك‏)‏ أي في الدين والصحبة ‏(‏عبد الله بن مسعود‏)‏ بدل أو بيان ‏(‏من يقم الحول‏)‏ أي من يقم الطاعة في بعض ساعات كل ليالي السنة ‏(‏يصب ليلة القدر‏)‏ أي يدركها يقيناً للابهام في تبيينها وللاختلاف في تعيينها ‏(‏قال‏)‏ أي أبي ‏(‏يغفر الله لأبي عبد الرحمن‏)‏ كنية لابن مسعود ‏(‏لقد علم‏)‏ أي أبو عبد الرحمن ‏(‏أنها‏)‏ أي ليلة القدر ‏(‏ولكنه أراد أن لا يتكل الناس‏)‏ أي لا يعتمدوا على قول واحد وإن كان هو الصحيح الغالب على الظن الذي مبني الفتوى عليه فلا يقوموا إلا في تلك الليلة ويتركوا قيام سائر الليالي فيفوت حكمة الإبهام الذي نسي بسببها عليه الصلاة والسلام ‏(‏ثم حلف‏)‏ أي أبي بن كعب ‏(‏لا يستثني‏)‏ حال أي حلف حلفاً جازماً من غير أن يقول عقيبه إن شاء الله تعالى‏.‏ قال الطيبي هو قول الرجل إن شاء الله يقال حلف فلان يميناً ليس فيها ثنى ولا ثنو ولا ثنية ولا استثناء كلها واحد وأصلها من الثني وهو الكف والرد وذلك أن الحالف إذا قال والله لأفعلن كذا إلا أن يشاء الله غيره فقد رد انعقاد ذلك اليمين انتى ‏(‏أنها‏)‏ مفعول حلف أي أن ليلة القدر ‏(‏ليلة سبع وعشرين قال‏)‏ أي زر بن حبيش ‏(‏قلت له‏)‏ أي لأبي بن كعب ‏(‏بأي شيء‏)‏ أي من الأدلة ‏(‏تقول ذلك‏)‏ أي القول ‏(‏يا أبا المنذر‏)‏ كنية أبي بن كعب ‏(‏أو بالعلامة‏)‏ كلمة أو للشك ‏"‏أن الشمس تطلع يومئذ لاشعاع لها‏"‏ سبق شرحه في باب ليلة القدر من أبواب الصيام‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم‏.‏